من أصحاب ابن سعد يدعى ربيع بن تميم ، وكان شاهده مع الإمام عليّ في صفّين ، ورأى منه الأعاجيب ، فصاح ربيع بأصحابه : أيّها النّاس هذا أسد الأسود لا يخرجنّ إليه أحد ، فأخذ عابس ينادي ألا رجل فهابه القوم ، فنادى ابن سعد : ويلكم ارضخوه بالحجارة ، فانهالت عليه من كلّ جانب ، فلمّا رأى عابس ذلك ألقى درعه ومغفره وشدّ عليهم ؛ قال ربيع رأيته والله يطرد أمامه أكثر من مئتين ، ثمّ تكاثروا عليه فقتلوه ، واختصم الجيش في قتله وادّعاه الجميع ، فأصلح ابن سعد بينهم بقوله : هذا لم يقتله واحد ، كلّكم قاتله ، فهدأت الفتنة (١).
قتل عابس وضحّى بنفسه في سبيل مبدئه وإحياء عقيدته ، ومات شهيد الحقّ والفضيلة ، وبلغ بعمل ساعة ما لم يبلغه غيره بعمل الدّهر كلّه ، وحاول ابن سعد أن يصرع الأقمار بالأحجار فهوت على رأسه وقلبه ، ترجمه بها يد التّأريخ ما وجد له قارئا أو سامعا.
أنّ نداء ـ لا عمل بعد اليوم ـ هو الشّعار الوحيد الّذي يعبّر عن مبدأ شهداء الطّفّ وعقيدتهم الّتي من أجلها نصبوا مهجهم هدفا للسّهام والرّماح دون الحسين ، وهل تجدي الأعمال كلّها بعد قتل الحسين! إذن العمل كلّه في هذا اليوم بل في هذه اللّحظة الّتي ما زال الحسين فيها حيّا.
وقد ندم التّوابون بعد قتل الحسين على تركهم نصرته ، فنهضوا وثاروا وقتلوا ، ولكن عملوا بعد قتل الحسين ، ولا عمل بعد قتله إلّا الحسرة والتّلهف ، قال
__________________
(١) انظر ، تأريخ الطّبري : ٥ / ٣٥٥ و ٤٤٣ ، مقتل الحسين للخوارزمي : ١ / ١٩٧ ، شرح الأخبار : ٣ / ٢٤٩ ، معجم رجال الحديث : ١٠ / ١٩٣ رقم «٦٠٥٢» ، رجال الطّوسي : ٢٠٣ ، البداية والنّهاية : ٨ / ٢٠٠ ، مثير الأحزان : ٢١.