على الغلبة والتذليل معا بأن يراد التسلط بما يؤذي أو باستعمال المشترك في معنييه على القول بجوازه وفي مفردات الراغب القهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل في كل واحد منهما ، وقرأ ابن مسعود والشعبي وإبراهيم التيمي «فلا تكهر» بالكاف بدل القاف ومعناه على ما في البحر فلا تقهر. وفي تهذيب الأزهري الكهر القهر والكهر عبوس الوجه والكهر الشتم واختار بعضهم هنا أوسطها فالمعنى فلا تعبس في وجهه وهو نهي عن الشتم والقهر على ما سمعت من معناه من باب الأولى وأيّا ما كان ففي الآية دلالة على الاعتناء بشأن اليتيم. وعن ابن مسعود مرفوعا «من مسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر عليها يده نور يوم القيامة» وعن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعا أيضا «إن اليتيم إذا بكى اهتز لبكائه عرش الرحمن فيقول الله تعالى لملائكته : يا ملائكتي من أبكى هذا اليتيم الذي غيب أبوه في التراب؟ فيقول الملائكة : أنت أعلم. فيقول الله تعالى : يا ملائكتي إني أشهدكم أن عليّ لمن أسكته وأرضاه أن أرضيه يوم القيامة» فكان عمر رضي الله تعالى عنه إذا رأى يتيما مسح رأسه وأعطاه شيئا ولم يصح في كيفية مسحه شيء والرواية عن ابن عباس في ذلك قد قيل فيها ما قيل. وروي عنهصلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أنا وكافل اليتيم كهاتين إذا اتقى الله عزوجل» وأشار بالسبابة والوسطى إلى غير ذلك من الأخبار.
(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) أي فلا تزجره ولكن تفضل عليه بشيء أورده بقول جميل وأريد به عند جمع السائل المستجدي الطالب لشيء من الدنيا ، وتدل الآية على الاعتناء بشأنه أيضا وعن إبراهيم بن أدهم نعم القوم السُّؤّال يحملون زادنا إلى الآخرة. وعن إبراهيم النخعي : السائل يريد الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول : أتبعثون إلى أهليكم بشيء وشاع حديث «للسائل حق وإن جاء على فرس» وقد قال فيه الإمام أحمد كما في تمييز الطيب من الخبيث لا أصل له وأخرجه أبو داود عن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما موقوفا وسكت عنه ، وقال العراقي سنده جيد وتبعه غيره ، وقال ابن عبد البر إنه ليس بالقوي وعوّل كثير على ما قال الإمام أحمد وفي معناه احتمالان كل منهما يؤذن بالاهتمام بأمر السائل. وروي من طرق عن عائشة وغيرها : لو صدق السائل ما أفلح من رده. وهو أيضا على ما قال ابن المديني لا أصل له ، وقال ابن عبد البر جميع أسانيده ليست بالقوية. نعم أخرج الطبراني في الكبير عن أبي أمامة مرفوعا ما يقرب منه وهو «لو لا أن المساكين يكذبون ما أفلح من ردهم» ولم أقف على من تعقبه. ثم النهي على النهر على ما قالوا إذا لم يلح في السؤال فإن ألح ولم ينفع الرد اللين فلا بأس بالزجر. وقال أبو الدرداء والحسن وسفيان وغيرهم : المراد بالسائل هنا السائل عن العلم والدين لا سائل المال ولعل النهي عن زجره على القول الأول يعلم بالأولى ويشهد للأولوية أنه لا وعيد على ترك إعطاء المستجدي لمن يجد ما يستجديه بخلاف ترك جواب سائل العلم لمن يعلم ففي الحديث «من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار» وسيأتي إن شاء الله تعالى ما قيل من أن الظاهر الثاني من القولين.
(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فإن التحدث بها شكر لها كما قال عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة والفضيل بن عياض. وأخرج البخاري في الأدب وأبو داود والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن حبان والبيهقي والضياء عن جابر بن عبد الله مرفوعا : «من أعطي عطاء فوجد فليجز به فإن لم يجد فليثن به فمن أثنى به فقد شكره ، ومن كتمه فقد كفره ، ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور» ولذا استحب بعض السلف التحدث بما عمله من الخير إذ لم يرد به الرياء والافتخار وعلم الاقتداء به بل بعض أهل البيت رضي الله تعالى