الأفق الشرقي بعد طلوعها وذلك أول الشهر ، فإن الشمس إذا طلعت من الأفق الشرقي أول النهار يطلع بعدها القمر لكن لا سلطان له فيرى بعد غروبها هلالا ومناسبة ذلك للقسم به لأنه وصف له بابتداء أمره ، فكما أن الضحى كشباب النهار فكذا غرة الشهر كولادته. وقيل باعتبار طلوعه وغروبها أي إذا تلا طلوعه غروبها وذلك في ليلة البدر رابع عشر الشهر فإنه حينئذ في مقابلة الشمس والبعد بينهما نصف دور الفلك فإذا كانت في النصف الفوقاني منه أعني ما يلي رءوسنا كان القمر في التحتاني منه أعني ما يلي أقدامنا ، فإذا غربت طلع من الأفق الشرقي وهو المروي عن قتادة. وقولهم : سمي بدرا لأنه يسبق طلوعه غروب الشمس فكأنه بدرها بالطلوع لا ينافيه لأنه مبني على التقريب ، ومناسبة ذلك للقسم به لأنه وقت ظهور سلطانه فيناسب تعظيم شأنه. وقال ابن زيد : تبعها في الشهر كله ففي النصف الأول تبعها بالطلوع وفي الآخر بالغروب ، ومراده ما ذكر في القولين. وقيل : المراد تبعها في الإضاءة بأن طلع وظهر مضيئا عند غروبها آخذا من نورها وذلك في النصف الأول من الشهر فإنه فيه يأخذ كل ليلة منه قدرا من النور بخلافه في النصف الثاني وهو مروي عن ابن سلام واختاره الزمخشري. وقال الحسن والفرّاء كما في البحر : أي تبعها في كل وقت لأنه يستضيء منها فهو يتلوها لذلك ، وأنكر بعض الناس ذهاب أحد من السلف إلى أن نور القمر مستفاد من ضوء الشمس وزعم أنه رأي المنجمين لا غير وما ذكر حجة عليه والحجة عن أصل المسألة أظهر من الشمس وهي اختلاف تشكلاته النورية قربا وبعدا منها مع ذهاب نوره عند حيلولة الأرض بينه وبينها. وكون الاختلاف لاحتمال أن يكون أحد نصفيه مضيئا والنصف الآخر غير مضيء وأنه يتحرك على محوره حركة وضعية حتى يرى كل نصف منهما تدريجا ، وكون ذهاب النور عند الحيلولة لاحتمال حيلولة جسم كثيف بيننا وبينه لا نراه أضعف من حبال القمر كما لا يخفى. وقال الزجاج وغيره (تَلاها) معناه امتلأ واستدار فكان تابعا لها في الاستدارة وكمال النور.
(وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) أي جلى النهار الشمس أي أظهرها فإنها تنجلي وتظهر إذا انبسط النهار ومضى منه مدة ، فالإسناد مجازي كالإسناد في نحو صام نهاره. وقيل : الضمير المنصوب يعود على الأرض وقيل على الدنيا والمراد بها وجه الأرض وما عليه ، وقيل : يعود على الظلمة وجلاها حينئذ بمعنى أزالها وعدم ذكر المرجع على هذه الأقوال للعلم به والأول أولى الذكر المرجع واتساق الضمائر. وجوز بعضهم أن يكون الضمير المرفوع المستتر في (جَلَّاها) عليه عائدا على الله عزوجل كأنه قيل والنهار إذا جل الله تعالى الشمس فيكون قد أقسم سبحانه بالنهار في أكمل حالاته وهو كما ترى (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) أي الشمس فيغطي ضوؤها والإسناد كما مر. وقيل أي الأرض وقيل أي الدنيا. وجيء بالمضارع هنا دون الماضي كما في السابق بأن يقال إذا غشيها ، قال أبو حيان : رعاية للفاصلة ولم يقل غشاها لأنه يحتاج إلى حذف أحد المفعولين لتعديه إليهما فإنه يقال : غشيته كذا كما قال الراغب كذا قيل. وقال بعض الأجلّة : جيء بالمضارع للتنبيه على استواء الأزمنة عنده تعالى شأنه. وقال الخفاجي : الأول أن يقال المراد بالليل الظلمة الحادثة بعدم الضوء لا العدم الأصلي والظلمة الأصلية فإن هذه أظهر في الدلالة على القدرة وهي مستقبلة بالنسبة لما قبلها فلا بد من تغيير التعبير ليدل على المراد. واستصعب الزمخشري الأمر في نصب (إِذا) بأن ما سوى الواو الأولى إن كانت عاطفة لزم العطف على معمولي عاملين مختلفين كعطف النهار مثلا على الشمس المعمول لحرف القسم ، وعطف الظرف أعني (إِذا) في (إِذا جَلَّاها) على نظيرتها في (إِذا تَلاها) المعمولة لفعل القسم وإن كانت