كالقتل إهلاكا له فجاء ذلك لهذا فلم يكن في الإعادة تكرار والأول هو ما ذهب إليه جار الله وجعل الدعاء اعتراضا وقال عليه الطيبي إنه ليس من الاعتراض المتعارف الذي ينحل لتزيين الكلام وتقريره لأن الفاء مانعة من ذلك بل هو من كلام الغير ووقع الفاء في تضاعيف كلامه فأدخل بين الكلامين المتصلين على سبيل الحكاية ثم قال : وهو متعسف وإنما سلكه لأنه جعل الدعاءين من كلام الغير وأما إذا جعلا من كلام الله تعالى استهزاء كما ذكر هو أو دعاء عليه كما ذهب إليه الراغب وعليه تفسير الواحدي على ما قال ، ونقل عن صاحب النظم (فَقُتِلَ كَيْفَ) أي عذب ولعن (كَيْفَ قَدَّرَ) كما يقال لأضربنه كيف صنع أي على أي حال كانت منه لتكون الأفعال كلها متناسقة مرتبة على التفاوت في التعقيب والتراخي زمانا ورتبة كما يقتضيه المقام كان أحسن وجاء النظم على السنن المألوف من التنزيل إلى آخر ما قال وما تقدم أبعد مغزى والاعتراض من المتعارف وهو يؤكد ما سيق له الكلام أحسن تأكيد والفاء غير مانعة على ما نص عليه جار الله وغيره وجعل من الاعتراض المقرون بها (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) [النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧] ومنه قوله :
واعلم فعلم المرء ينفعه |
|
أن سوف يأتي كل ما قدرا |
وقد حقق أنه بالحقيقة نتيجة وقعت بين أجزاء الكلام اهتماما بشأنها فأفادت فائدة الاعتراض وعدت منه ، والاعتراض بين قوله تعالى (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) وقوله سبحانه (ثُمَّ نَظَرَ) للعطف و (ثُمَ) فيه وفيما بعد على معناها الوضعي وهو التراخي الزماني مع مهلة أي ثم فكر في أمر القرآن مرة بعد أخرى (ثُمَّ عَبَسَ) قطب وجهه لما لم يجد فيه مطعنا وضاقت عليه الحيل ولم يدر ما ذا يقول وقيل ثم نظر في وجوه القوم ثم قطب وجهه وقيل نظر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قطب في وجهه عليه الصلاة والسلام (وَبَسَرَ) أي أظهر العبوس قبل أو انه وفي غير وقته فالبسر الاستعجال بالشيء نحو بسر الرجل لحاجة طلبها في غير أوانها وبسر الفحل الناقة ضربها قبل أن تطلب وماء بسر متناول من غديره قبل سكونه وقيل للجبن الذي ينكأ قبل النضج بسر ومنه قيل لما لم يدرك من الثمر بسر ، وبهذا فسره الراغب هنا وفسره بعضهم بأشد العبوس من بسر إذا قبض ما بين عينيه كراهة للشيء واسودّ وجهه منه ، ويستعمل بمعنى العبوس ومنه قول توبة :
قد رابني منها صدود رأيته |
|
وإعراضها عن حاجتي وبسورها |
وقول سعد لما أسلمت راغمتني أمي فكانت تلقاني مرة بالبشر ومرة بالبسر فحينئذ يكون ذكر (بَسَرَ) كالتأكيد ل (عَبَسَ) ولعله مراد من قال اتباع له وأهل اليمين يقولون بسر المركب وأبسر إذا وقف ولم أر من جز إرادة ذاك هنا ولو على بعد وفي النفس من ثبوت ذلك لغة صحيحة توقف (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحق أو عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَاسْتَكْبَرَ) عن اتباعه (فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أي يروى ويتعلم من سحرة بابل ونحوهم ، وقيل أي يختار ويرجح على غيره من السحر وليس بمختار ، والفاء للدلالة على أن هذه الكلمة الحمقاء لما خطرت بباله تفوه بها من غير تلعثم وتلبث فهي للتعقيب من غير مهلة ولا مخالفة فيه لما مر من الرواية كما لا يخفى. وقوله (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) كالتأكد للجملة الأولى لأن المقصود منهما نفي كونه قرآنا ومن كلام الله تعالى وإن اختلفا معنى ولاعتبار الاتحاد في المقصود لم يعطف عليها وأطلق بعضهم عليه التأكيد من غير تشبيه والأمر سهل وفي وصف إشكاله التي تشكل بها حتى استنبط هذا القول السخيف استهزاء به وإشارة إلى أنه عن الحق الأبلج بمعزل ثم إن الذي يظهر من تتبع أحوال الوليد أنه إنما قال ذلك عنادا وحمية جاهلية لا جهلا بحقيقة الحال وقوله تعالى (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) بدل من (سَأُرْهِقُهُ) إلخ بدل اشتمال