مُسْتَقِيمٌ)(٦٤)
(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) أي هل حكمنا بعبادة غير الله سبحانه وهل جاءت في ملة من ملل المرسلين عليهمالسلام والمراد الاستشهاد بإجماع المرسلين على التوحيد والتنبيه على أنه ليس ببدع ابتدعه صلىاللهعليهوسلم حتى يكذب ويعادى له ، والكلام بتقدير مضاف أي واسأل أمم من أرسلنا أو على جعل سؤال الأمم بمنزلة سؤال المرسلين إليهم.
قال الفراء : هم إنما يخبرون عن كتب الرسل فإذا سألهم عليه الصلاة والسلام فكأنه سأل المرسلين عليهمالسلام ، وعلى الوجهين المسئول الأمم ، وروي ذلك عن الحسن ومجاهد وقتادة والسدي وعطاء وهو رواية عن ابن عباس أيضا.
وأخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة أنه قال في بعض القراءات واسأل من أرسلنا إليهم رسلنا قبلك.
وأخرج هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال : كان عبد الله يقرأ واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك من رسلنا ، وعن ابن مسعود أنه قرأ واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبل مؤمني أهل الكتاب ، وجعل بعضهم السؤال مجازا عن النظر والفحص عن مللهم في سؤال الديار والاطلال ونحوها من قولهم : سل الأرض من شق أنهارك وغرس أشجارك وجنى ثمارك.
وروي عن ابن عباس أيضا وابن جبير والزهري وابن زيد أن الكلام على ظاهره وأنه عليه الصلاة والسلام قيل له ذلك ليلة الإسراء حين جمع له الأنبياء في البيت المقدس فافهم ولم يسأل عليه الصلاة والسلام إذ لم يكن في شك. وفي بعض الآثار أن ميكال قال لجبريل عليهماالسلام : هل سأل محمد صلىاللهعليهوسلم عن ذلك؟ فقال : هو أعظم يقينا وأوثق إيمانا من أن يسأل. وتعقب هذا القول بأن المراد بهذا السؤال الزام المشركين وهم منكرون الإسراء ، وللبحث فيه مجال. والخطاب على جميع ما سمعت لنبينا عليه الصلاة والسلام.
وفي البحر الذي يظهر أنه خطاب للسامع الذي يريد أن يفحص عن الديانات قيل له اسأل أيها الناظر أتباع الرسل أجاءت رسلهم بعبادة غير الله عزوجل فإنهم يخبرونك أن ذلك لم يقع ولا يمكن أن يأتوا به ولعمري إنه خلاف الظاهر جدا ، ومما يقضي منه العجب ما قيل : إن المعنى واسألني أو واسألنا عمن أرسلنا وعلق اسأل فارتفع من وهو اسم استفهام على الابتداء وأرسلنا خبره والجملة في موضع نصب باسأل بعد إسقاط الخافض كأن سؤاله من أرسلت يا رب قبلي من رسلك أجعلت في رسالته آلهة تعبد ثم السؤال فحكى المعنى فرد الخطاب إلى النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله تعالى (مِنْ قَبْلِكَ) انتهى ، واسأل من قرأ أبا جاد أيرضى بهذا الكلام ويستحسن تفسير كلام الله تعالى المجيد بذلك (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) ملتبسا بها (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ) أشراف قومه وخصوا بالذكر لأن غيرهم تبع (فَقالَ) لهم (إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) إليكم وأريد باقتصاص ذلك تسلية رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإبطال قولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] لأن موسى عليهالسلام مع عدم زخارف الدنيا لديه كان له مع فرعون وهو ملك جبار ما كان وقد أيده الله سبحانه بوحيه وما أنزل عليه ، والاستشهاد بدعوته عليهالسلام إلى التوحيد أثر ما أشير إليه من إجماع جميع الرسل عليهمالسلام عليه ويعلم من ذلك وجه مناسبة الآيات لما قبلها ، وقال أبو حيان : مناسبتها من وجهين الأول أنه ذكر فيما قبل قول المشركين : (لَوْ لا نُزِّلَ) إلخ وفيه زعم أن العظم بالجاه والمال وأشير في هذه الآيات إلى أن مثل ذلك سبق إليه فرعون في قوله : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ) [الزخرف : ٥١] إلخ فهو قدوتهم في ذلك وقد انتقم منه فكذلك ينتقم منهم ، الثاني أنه سبحانه لما قال : (وَسْئَلْ) إلخ ذكر جلّ وعلا قصة موسى وعيسى عليهماالسلام وهما أكثر أتباعا ممن سبق من الأنبياء وكل جاء بالتوحيد فلم يكن فيما جاءا به إباحة