فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : لقد كنت يا أخا دارم غنيا أن يذكر منك ما ظننت أن الناس قد نسوه فكان قوله عليه الصلاة والسلام : أشد عليهم من جميع ما قال حسان ثم رجع حسان إلى شعره فقال :
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم |
|
وأموالكم أن يقسموا في المقاسم |
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا |
|
ولا تفخروا عند النبي بدارم |
وإلا ورب البيت قد مالت القنا |
|
على هامكم بالمرهفات الصوارم |
فقال الأقرع بن حابس : والله ما أدري ما هذا الأمر تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر وأحسن قولا ، ثم دنا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ما يضرك ما كان قبل هذا انتهى ، وهذا ظاهر في أن إسلام الأقرع يومئذ ، ومعلوم أن سنة الوفود سنة تسع والطائف وحنين كانتا قبل ذلك ، وتقدم عن ابن إسحاق أن الأقرع شهدهما مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويتوهم منه أنه كان مسلما إذ ذاك فيتناقض مع هذا بل في أول كلام ابن إسحاق وآخره ما يوهم التناقض ، والمذكور في الصحاح أنه وكذا عيينة كان إذ ذاك من المؤلفة قلوبهم.
وقد روى ابن إسحاق نفسه عن محمد بن إبراهيم أن قائلا قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم من أصحابه يوم قسمة ما أفاء الله تعالى عليه يوم حنين : يا رسول الله أعطيت عيينة والأقرع مائة وتركت جعيل بن سراقة الضمري فقال : أما والذي نفس محمد بيده لجعيل خير من طلاع الأرض كلهم مثل عيينة والأقرع ولكن تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ، وجاء ما يدل على أنهم من بني تميم مرفوعا.
أخرج ابن مردويه من طريق يعلى بن الأشدق عن سعد بن عبد الله أن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ) إلخ فقال : هم الجفاة من بني تميم لو لا أنهم من أشد الناس قتالا للأعور الدجال لدعوت الله تعالى عليهم أن يهلكهم ، وفي الصحيحين ما يشهد بأنهم من أشد الأمة على الدجال وجعله أبو هريرة أحد أسباب حبهم ، وظاهر كثير من الأخبار أن سبب وفودهم المفاخرة ، وقال الواقدي. وهو حاطب ليل : إن سببه هو أنهم كانوا قد جهروا السلاح على خزاعة فبعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم عيينة بن بدر في خمسين ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري فأسر منهم أحد عشر رجلا وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيا فقد رؤساؤهم بسبب أسرائهم ويقال : قدم منهم سبعون أو ثمانون رجلا في ذلك منهم عطارد والزبرقان وقيس بن عاصم وقيس بن الحارث ونعيم بن سعد والأقرع بن حابس ورياح بن الحارث وعمرو بن الأهتم فدخلوا المسجد وقد أذّن بلال الظهر والناس ينتظرون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليخرج إليهم فعجل هؤلاء فنادوه من وراء الحجرات فنزل فيهم ما نزل ، ثم ذكر أنه صلىاللهعليهوسلم أجازهم كل رجل اثنتي عشرة أوقية وكساء ولعمرو بن الأهتم خمس أواق لحداثة سنه انتهى ، ولعل زيادة جائزته لما نيل منه أيضا فقد ذكر ابن إسحاق أن عاصم بن قيس كان يبغض عمرا فقال : يا رسول الله إنه قد كان رجل منا في رحالنا وهو غلام حدث وأزرى به فقال لما بلغه ذلك يخاطب قيسا :
ظللت مفترش الهلباء تشتمني |
|
عند الرسول فلم تصدق ولم تصب |
سدناكم سؤددا رهوا وسؤددكم |
|
باد نواجذه مقع على الذنب |
وروي عن عكرمة عن ابن عباس أنهم ناس من بني العنبر أصاب النبي صلىاللهعليهوسلم من ذراريهم فأقبلوا في فدائهم فقدموا المدينة ودخلوا المسجد وعجلوا أن يخرج إليهم النبي عليه الصلاة والسلام فجعلوا يقولون : يا محمد اخرج إلينا ،