هذه الجملة على إخبار الكفار في الآخرة ؛ وقال : المعنى بينهما مرتبط كأنه قيل : هذه حالهم فلا تستعجل أنت واصبر ولا تخف إلا الله عزوجل ، والعزم يطلق على الجد والاجتهاد في الشيء وعلى الصبر عليه ، و (مِنَ) بيانية كما في (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) [الحج : ٣٠] والجار والمجرور في موضع الحال من (الرُّسُلِ) فيكون أولو العزم صفة جميعهم ، وإليه ذهب ابن زيد والجبائي وجماعة أي (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ) الرسل المجدون المجتهدون في تبليغ الوحي الذين لا يصرفهم عنه صارف ولا يعطفهم عنه عاطف والصابرون على أمر الله تعالى فيما عهده سبحانه إليهم أو قضاه وقدره عزوجل عليهم بواسطة أو بدونها. وعن عطاء الخراساني والحسن بن الفضل والكلبي ومقاتل وقتادة وأبي العالية وابن جريج ، وإليه ذهب أكثر المفسرين أن (مِنَ) للتبعيض فأولو العزم بعض الرسل عليهمالسلام ، واختلف في عدتهم وتعيينهم على أقوال ، فقال الحسن بن الفضل : ثمانية عشر وهم المذكورون في سورة الأنعام لأنه سبحانه قال بعد ذكرهم : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] وقيل : تسعة نوح عليهالسلام صبر على أذى قومه طويلا. وإبراهيم عليهالسلام صبر على الإلقاء في النار. والذبيح عليهالسلام صبر على ما أريد به من الذبح. ويعقوب عليهالسلام صبر على فقد ولده. ويوسف عليهالسلام صبر على البئر والسجن وأيوب عليهالسلام صبر على البلاء. وموسى عليهالسلام قال له قومه : (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء : ٦١] فقال (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء : ٦٢] وداود عليهالسلام بكى على خطيئته أربعين سنة وعيسى عليهالسلام لم يضع لبنة على لبنة وقال : إنها يعني الدنيا معبرة فاعبروها ولا تعمروها ، وقيل : سبعة آدم ونوح وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى عليهمالسلام ، وقيل : ستة وهم الذين أمروا بالقتال وهم نوح وهود وصالح وموسى وداود وسليمان ، وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس ، وعن مقاتل أنهم ستة ولم يذكر حديث الأمر بالقتال وقال : هم نوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وأخرج ابن عساكر عن قتادة أنهم نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى عليهمالسلام وظاهره القول بأنهم خمسة وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عنه أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وظاهره القول بأنهم أربعة وهذا أصح الأقوال. وقول الجلال السيوطي : إن أصحها القول بأنهم خمسة هؤلاء الأربعة ونبينا صلىاللهعليهوسلم وعليهم أجمعين وأخرج ذلك ابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر ، وأبي عبد الله من أئمة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم ونظمهم بعض الأجلة فقال :
أولو العزم نوح والخليل الممجد |
|
وموسى وعيسى والحبيب محمد |
مبني على أنهم كذلك بعد نزول الآية وتأسي نبينا عليه الصلاة والسلام بمن أمر بالتأسي به ولم يرد أن أصح الأقوال أن المراد بهم في الآية أولئك الخمسة صلىاللهعليهوسلم إذ يلزم عليه أمره عليه الصلاة والسلام أن يصبر كصبره نفسه ولا يكاد يصح ذلك ، وعلى هذا قول أبي العالية فيما أخرجه عبد بن حميد وأبو الشيخ ، والبيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عنه أنهم ثلاثة نوح وإبراهيم وهود ورسول الله صلىاللهعليهوسلم رابع لهم ، ولعل الأولى في الآية القول الأول وإن صار أولو العزم بعد مختصا بأولئك الخمسة عليهم الصلاة والسلام عند الإطلاق لاشتهارهم بذلك كما في الأعلام الغالبة فكأنه قيل : فاصبر على الدعوة إلى الحق ومكابدة الشدائد مطلقا كما صبر إخوانك الرسل قبلك (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) أي لكفار مكة بالعذاب أي لا تدع بتعجيله فإنه على شرف النزول بهم (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) من العذاب (لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا (إِلَّا ساعَةً) يسيرة (مِنْ نَهارٍ) لما يشاهدون من شدة العذاب وطول مدته. وقرأ أبي «من النهار» وقوله تعالى : (بَلاغٌ) خبر مبتدأ محذوف أي هذا الذي وعظتم به كفاية في الموعظة أو تبليغ من الرسول ، وجعل بعضهم الإشارة إلى القرآن أو ما ذكر من السورة. وأيد تفسير (بَلاغٌ) بتبليغ بقراءة أبي مجلز. وأبي سراج الهذلي «بلغ» بصيغة الأمر له صلىاللهعليهوسلم ، وبقراءة أبي مجلز أيضا في رواية «بلغ» بصيغة الماضي من التفعيل ، واستظهر أبو حيان كون