وأخرج ابن جرير والطبراني. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في هؤلاء النفر : كانوا تسعة عشر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم رسلا إلى قومهم ، والخبر السابق يدل على أنه صلىاللهعليهوسلم كان حين حضر الجن مع طائفة من أصحابه ، وأخرج عبد بن حميد وأحمد ومسلم والترمذي وأبو داود عن علقمة قال قلت لابن مسعود : هل صحب النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال : ما صحبه منا أحد ولكنا كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا : استطير أو اغتيل فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء فأخبرناه فقال أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم فهذا يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن معه أحد من أصحابه ولم يشعر به أحد منهم.
وأخرج أحمد عن ابن مسعود أنه قال : قمت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة الجن وأخذت إداوة ولا أحسبها إلا ماء حتى إذا كنا بأعلى مكة رأيت أسودة مجتمعة قال : فخط لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : قم هاهنا حتى آتيك ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم فرأيتهم يتثورون إليه فسمر معهم ليلا طويلا حتى جاءني مع الفجر فقال لي : هل معك من وضوء قلت : نعم ففتحت الإداوة فإذا هو نبيذ فقلت : ما كنت أحسبها إلا ماء فإذا هو نبيذ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ثمرة طيبة وماء طهور فتوضأ منها ثم قام يصلي فأدركه شخصان منهم فصفهما خلفه ثم صلى بنا فقلت : من هؤلاء يا رسول الله؟ قال : جن نصيبين فهذا يدل على خلاف ما تقدم والجمع بتعدد واقعة الجن ، وقد أخرج الطبراني في الأوسط. وابن مردويه عن الحبر أنه قال : صرفت الجن إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مرتين ، وذكر الخفاجي أنه قد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ست مرات ويجمع بذلك اختلاف الروايات في عددهم وفي غير ذلك ، فقد أخرج أبو نعيم. والواقدي عن كعب الأحبار قال : انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن نخلة وهم فلان وفلان وفلان والاردوانيان. والأحقب جاءوا قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم ثلاثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحقب فسلم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك فواعده رسول الله صلىاللهعليهوسلم لساعة من الليل بالحجون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة أنه قال في الآية : هم اثنا عشر ألفا من جزيرة الموصل ، وفي الكشاف حكاية هذا العدد أيضا وأن السورة التي قرأها صلىاللهعليهوسلم عليهم (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] ، ونقل في البحر عن ابن عمر. وجابر ابن عبد الله رضي الله تعالى عنهم أنه عليه الصلاة والسلام قرأ عليهم سورة الرحمن فكان إذا قال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن] قالوا : لا بشيء من آيات ربنا نكذب ربنا لك الحمد ، وأخرج أبو نعيم في الدلائل. والواقدي عن أبي جعفر قال : قدم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم الجن في ربيع الأول سنة إحدى عشر من النبوة وفي معناه ما قيل : كانت القصة قبل الهجرة بثلاث سنين بناء على ما صح عن ابن عباس أنهصلىاللهعليهوسلم مكث بمكة يوحى إليه ثلاث عشرة سنة وفي المسألة خلاف والمشهور ما ذكر.
وقيل : كان استماع الجن في ابتداء الإيحاء (قالُوا) أي عند رجوعهم إلى قومهم (يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً) جليل الشأن (أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى) ذكروه دون عيسى عليهماالسلام لأنه متفق عليه عند أهل الكتابين ولأن الكتاب المنزل عليه أجل الكتب قبل القرآن وكان عيسى عليهالسلام مأمورا بالعمل بمعظم ما فيه أو بكله ، وقال عطاء : لأنهم كانوا على اليهودية ويحتاج إلى نقل صحيح ، وعن ابن عباس أن الجن لم تكن سمعت بأمر عيسى عليهالسلام فلذا قالوا ذلك ، وفيه بعد فإن اشتهار أمر عيسى عليهالسلام وانتشار أمر دينه أظهر من أن يخفى لا سيما على الجن ، ومن هنا قال أبو حيان : إن هذا لا يصح عن ابن عباس (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) من التوراة أو جميع الكتب الإلهية السابقة (يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) من العقائد الصحيحة (وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) من الأحكام الفرعية أو ما يعمها وغيرها من العقائد على أنه من ذكر العام بعد الخاص.