والاعتراض عليه بالفصل هين ، وبضعف المعنى والتنافر غير مسلم ، ففي الكشف بعد ذكر تخريج الزجاج الجر أن الفاصل أعني من قوله تعالى : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ إلى ـ (يُؤْفَكُونَ) يصلح اعتراضا لأن قوله سبحانه (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) مرتبط بقوله تعالى : (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) على ما لا يخفى ، والكلام مسوق للوعيد البالغ بقوله تعالى : (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إلى قوله عزوجل : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) متصل بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) اتصال العصا بلحاها ، وقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) خطاب لمن يتأتى منه السؤال تتميم لذلك الكلام باستحقاقهم ما أوعدوه لعنادهم البالغ ، ومنه يظهر وقوع التعجب في قوله سبحانه (فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) وعلى هذا ظهر ارتباط وعلم قيله بقوله تعالى : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) وأن الفاضل متصل بهما اتصالا يجل موقعه ، ومن هذا التقرير يلوح أن ما ذهب إليه الزجاج في الأوجه الثلاثة حسن ، ولك أن ترجحه على ما ذهب إليه الأخفش بتوافق القراءتين ، وأن حمل (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) على الخطاب المتروك إلى غير معين أوفق بالمقام من حمله على خطابه عليه الصلاة والسلام وسلامته من إضمار القول قبل قوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) مع أن السياق غير ظاهر الدلالة عليه ا ه ، وهو أحسن ما رأيته للمفسرين في هذا المقام. وقرأ أبو قلابة «يا رب» بفتح الباء ووجه ظاهر (فَاصْفَحْ) فأعرض (عَنْهُمْ) ولا تطمع في إيمانهم ، وأصل الصفح ليّ صفحة العنق فكني به عن الإعراض.
(وَقُلْ) لهم (سَلامٌ) أي امري سلام تسلم منكم ومتاركة فليس ذلك أمرا بالسلام عليهم والتحية وإنما هو أمر بالمتاركة ، وحاصله إذا أبيتم القبول فأمري التسلم منكم ، واستدل بعضهم بذلك على جواز السلام على الكفار وابتدائهم بالتحية ، أخرج ابن أبي شيبة. عن شعيب بن الحبحاب قال : كنت مع علي بن عبد الله البارقي فمر علينا يهودي أو نصراني فسلم عليه قال شعيب : فقلت : إنه يهودي أو نصراني فقرأ علي آخر سورة الزخرف (وَقِيلِهِ يا رَبِ) إلى الآخر ، وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن عون بن عبد الله أنه قال قلت لعمر بن عبد العزيز كيف تقول أنت في ابتداء أهل الذمة بالسلام؟ فقال : ما أرى بأسا أن نبتدئهم قلت لم؟ قال : لقوله تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) ومما ذكرنا يعلم ضعفه ، وقال السدي المعنى قل خيرا بدلا من شرهم ، وقال مقاتل : اردد عليهم معروفا ، وحكى الماوردي أي قل ما تسلم به من شرهم والكل كما ترى والحق ما قدمنا (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) حالهم السيئة وإن تأخر ذلك وهو وعيد من الله سبحانه لهم وتسلية لرسولهصلىاللهعليهوسلم ، وقرأ أبو جعفر والحسن والأعرج ونافع وهشام «تعلمون» بتاء الخطاب على أنه داخل في حيز (قُلْ) وإن أريد من الآية الكف عن القتال فهي منسوخة وإن أريد الكف عن مقابلتهم بالكلام فليست بمنسوخة والله تعالى أعلم.