لكينونة ولد له سبحانه على أبلغ وجه وهو الطريق البرهاني والمذهب الكلامي ، فإنه في الحقيقة قياس استثنائي استدل فيه بنفي اللازم البين انتفاؤه وهو عبادته صلىاللهعليهوسلم للولد على نفي الملزوم وهو كينونة الولد له سبحانه ، وذلك نظير قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] لكنه جيء بأن دون لو لجعل ما في حيزها بمنزلة ما لا قطع بعدمه على طريق المساهلة وإرخاء العنان للتبكيت والإفحام.
وفي الكشف أن في الآية مبالغة من حيث إنه جعل الممكن في نفسه أعني عبادته عليه الصلاة والسلام لما يدعونه ولدا محالا فهو نفي لعبادة الولد على أبلغ وجه حيث جعل مسببا عن محال ثم نفى للولد كذلك من طريق آخر وهو أنه لما لم يعبد صلىاللهعليهوسلم الولد مع كونه أولى بعبادته لو كان دل على نفيه ، ونحوها ذكر في الآية مرويا عن قتادة والسدي والطبري.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أن المعنى قل إن كان للرحمن ولد في زعمكم فأنا أول من عبد الله تعالى وحده وكذبكم بما تقولون فالمراد من كونه عليه الصلاة والسلام أول العابدين كونهصلىاللهعليهوسلم أول من ينكر ذلك عليهم ، والملازمة في الشرطية باعتبار أن نسبتهم الولد له تعالى تقتضي أن يكذبهم النبي صلىاللهعليهوسلم وأن يكون أول من ينكره لأنه صاحب الدعوة إلى التوحيد ، وقد خفي ذلك على الإمام فنفى صحة هذا الوجه ، وتكلف بعضهم فقال : إن تسبب الجزاء عن الشرط عليه باعتبار الأولية في العبادة والتوحيد من بينهم فإنهم إذا أطبقوا على ذلك الزعم يكون النبي صلىاللهعليهوسلم أولهم في عبادة الله تعالى وحده لا محالة ، وقيل : إن السببية باعتبار الأخبار والذكر نحو إن تضربني فأنا لا أضربك وهو أولى مما قبله ، والإنصاف أن الارتباط خفي لا يظهر إلا لمجاهد ، وحكى أبو حاتم عن جماعة ولم يسم أحدا منهم أن (الْعابِدِينَ) من عبد يعبد كفرح يفرح إذا أنف من الشيء ، ومنه قوله :
وأعبد أن أهجو كليبا بدارم
وقول الآخر :
متى ما يشاء ذو الود يصرم خليله |
|
ويعبد عليه لا محالة ظالما |
أي إن كان للرحمن ولد فأنا أول الآنفين من الولد أو من كونه لله سبحانه ونسبته له عزوجل. وروي نحو هذا عن ابن عباس أخرج الطستي عنه أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله تعالى : (فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) فقال : أنا أول من ينفر عن أن يكون لله تعالى ولد ، وأيد ذلك بقراءة السلمي واليماني «العبدين» جمع عبد كحذر وحذرين وهو للمعروف في معنى أنف وقلما يقال فيه عابد ، ومن هنا ضعف ابن عرفة هذا الوجه لما فيه من استعمال ما قل استعماله في كلامهم ، وذكر الخليل في كتاب العين أنه قرئ «العبدين» بسكون الباء تخفيفي العبدين بكسرها ، وقال أبو حاتم : العبد بكسر الباء الشديد الغضب ، وقال أبو عبيدة : العرب تقول عبدني حقي أي جحدني ، وروي عن الحسن وابن زيد وزهير بن محمد وهو رواية عن ابن عباس وقتادة والسدي أيضا أن (إِنْ) نافية أي ما كان للرحمن ولد فانا أول من قال ذلك وعبد ووحد ، و (كانَ) عليه للاستمرار والمقصود استمرار النفي لا نفي الاستمرار والفاء للسببية. وتعقب بأنه خلاف الظاهر مع خفاء وجه السببية أو حسنها ، وزعم مكي أنه لا يجوز لإيهامه نفي الولد فيما مضى وهو كما ترى.
وقرأ عبد الله وابن وثاب وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي كما قال القاضي «ولد» بضم الواو وسكون اللام جمع ولد بفتحهما.
(سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) أي عن وصفهم أو الذي يصفونه به من كونه سبحانه له ولد ، وفي إضافة اسم الرب إلى أعظم الأجرام وأقواها تنبيه على أنها وما فيها من المخلوقات حيث كانت