نافية وسقوط النون للنصب والخبر في موضع الإنشاء مبالغة ، وإما مخففة من الثقيلة و (تَتَنَزَّلُ) مضمن معنى العلم ولا ناهية وأن في الوجهين مقدرة بالباء أي بأن لا تخافوا أو بأنه لا تخافوا والهاء ضمير الشأن. وإما مفسرة و (تَتَنَزَّلُ) مضمن معنى القول ولا ناهية أيضا.
وفي قراءة عبد الله «لا تخافوا» بدون (أن) أي يقولون لا تخافوا على أنه حال من الملائكة أو استئناف.
(وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) أي التي كنتم توعدونها في الدنيا على ألسنة الرسل عليهمالسلام ، هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة ، وقوله تعالى : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) إلى آخره من بشاراتهم في الدنيا أي أعوانكم في أموركم نلهمكم الحق ونرشدكم إلى ما فيه خيركم وصلاحكم ، ولعل ذلك عبارة عما يخطر ببال المؤمنين المستمرين على الطاعات من أن ذلك بتوفيق الله تعالى وتأييده لهم بواسطة الملائكة عليهمالسلام ، ويجوز على قول بعض الناس أن تقول الملائكة لبعض المتقين شفاها في غير تلك المواطن : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) نمدكم بالشفاعة ونتلقاكم بالكرامة حين يقع بين الكفرة وقرنائهم ما يقع من الدعاوى والخصام.
وذهب بعض المفسرين على أن هذا من بشاراتهم في أحد المواطن الثلاثة أيضا على معنى كنا نحن أولياؤكم في الدنيا ونحن أولياؤكم في الآخرة ، وقيل : هذا من كلام الله تعالى دون الملائكة أي نحن أولياؤكم بالهداية والكفاية في الدنيا والآخرة (وَلَكُمْ فِيها) أي في الآخرة (ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من فنون الملاذ (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) ما تتمنون وهو افتعال من الدعاء بمعنى الطلب أي تدعون لأنفسكم وهو عند بعض أعم من الأول لأنه قد يقع الطلب في أمور معنوية وفضائل عقلية روحانية ، وقيل : بينهما عموم وخصوص من وجه إذ قد يشتهي المرء ما لا يطلبه كالمريض يشتهي ما يضره ولا يريده ، وكون التمني أعم من الإرادة غير مسلم ، نعم قيل : إذا أريد بالمتمنى ما يصح تمنيه لا ما يتمنى بالفعل فذاك.
وقال ابن عيسى : المراد ما تدعون أنه لكم فهو لكم بحكم ربكم (وَلَكُمْ) في الموضعين خبر و (ما) مبتدأ و (فِيها) حال من ضميره في الخبر وعدم الاكتفاء بعطف (ما تَدَّعُونَ) على (ما تَشْتَهِي) للإيذان باستقلال كل منهما (نُزُلاً) قال الحسن : منّا وقال بعضهم : ثوابا ، وتنوينه للتعظيم وكذا وصفه بقوله تعالى : (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) والمشهور أن النزل ما يهيأ للنزيل أي الضيف ليأكله حين نزوله وتحسن إرادته هنا على التشبيه لما في ذلك من الإشارة إلى عظم ما بعد من الكرامة ، وانتصابه على الحال من الضمير في الظرف الراجع إلى (ما تَدَّعُونَ) لا من الضمير المحذوف الراجع إلى (ما) لفساد المعنى لأن التمني والادعاء ليس في حال كونه نزلا بل ثبت لهم ذلك المدعي واستقر حال كونه نزلا ، وجعله حالا من المبدأ نفسه لا يخفى حاله على ذي تمييز.
وقال ابن عطية : (نُزُلاً) نصب على المصدر ، والمحفوظ أن مصدر نزل نزول لا نزل ، وجعله بعضهم مصدرا لأنزل ، وقيل : هو جمع نازل كشارف وشرف فينتصب على الحال أيضا أي نازلين ، وذو الحال على ما قال أبو حيان : الضمير المرفوع في (تَدَّعُونَ) ولا يحسن تعلق (مِنْ غَفُورٍ) به على هذا القول فقيل : هو في موضع الحال من الضمير في الظرف فلا تغفل.
وقرأ أبو حيوة «نزلا» بإسكان الزاي (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) أي إلى توحيده تعالى وطاعته والظاهر العموم في كل داع إليه تعالى ، وإلى ذلك ذهب الحسن ومقاتل وجماعة ، وقيل : بالخصوص فقال ابن عباس : هو رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعنه أيضا هم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم وقالت عائشة وقيس بن أبي حازم وعكرمة ومجاهد : نزلت