وقرئ «ما نعبدكم
إلا لتقربونا» حكاية لما خاطبوا به آلهتهم (إِنَّ اللهَ لا
يَهْدِي) أي لا يوفق للاهتداء الذي هو طريق النجاة عن المكروه
والفوز بالمطلوب (مَنْ هُوَ كاذِبٌ
كَفَّارٌ) في حد ذاته وموجب سيئ استعداده لأنه غير قابل للاهتداء
والله عزوجل لا يفيض على القوابل إلا حسب القابليات كما يشير إليه قوله
سبحانه : (رَبُّنَا الَّذِي
أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠] وقوله
تعالى : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ
عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء : ٨٤]
وقوله عزوجل : (وَما ظَلَمْناهُمْ
وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل : ١١٨]
وهذا هو الذي حتم عليه جل شأنه لسيئ استعداده بالموافاة على الضلال قاله بعض
الأجلة ، وقال الطبرسي : لا يهدي إلى الجنة أي يوم القيامة من هو كاذب كفار في
الدنيا.
وقال ابن عطية :
المراد لا يهدي الكاذب الكافر في حال كذبه وكفره وهذا ليس بشيء أصلا ، والمراد ممن
هو كاذب كفار قيل من يعم أولئك المحدث عنهم وغيرهم ، وقيل : أولئك المحدث عنهم
وكذبهم في دعواهم استحقاق غير الله تعالى للعبادة أو قولهم في بعض من اتخذوهم
أولياء من دون الله إنهم بنات الله سبحانه أو أن المتخذ ابن الله تعالى عن ذلك
علوا كبيرا ، فمن هو كاذب من الظاهر الذي أقيم مقام المضمر على معنى أن الله تعالى
لا يهديهم أي المتخذين تسجيلا عليهم بالكذب والكفر وجعل تمهيدا والكفر وجعل تمهيد
لما بعده ، وقال بعضهم : الجملة تعليل للحكم.
وقرأ أنس بن مالك
والجحدري والحسن والأعرج وابن يعمر «كذاب كفار» وقرأ زيد بن علي «كذوب كفور»
وحملوا الكاذب هنا على الراسخ في الكذب لهاتين القراءتين وكذا حملوا الكفر على كفر
النعم دون الكفر في الاعتقاد لقراءة زيد ، وذكر الإمام فيه احتمالين.
(لَوْ أَرادَ اللهُ
أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) استئناف مسوق لتحقيق الحق وإبطال القول بأن الملائكة بنات
الله وعيسى ابنه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ببيان استحالة اتخاذ الولد في حقه
سبحانه على الإطلاق ليندرج فيه استحالة ما قيل اندراجا أوليا ، وحاصل المعنى لو
أراد الله سبحانه اتخاذ الولد لامتنعت تلك الإرادة لتعلقها بالممتنع أعني الاتخاذ
لكن لا يجوز للباري إرادة ممتنعة لأنها ترجح بعض الممكنات على بعض.
وأصل الكلام لو
اتخذ الولد لامتنع لاستلزامه ما ينافي الألوهية فعدل إلى لو أراد الاتخاذ لامتنع
أن يريده ليكون أبلغ وأبلغ ثم حذف هذا الجواب وجيء بدله لاصطفى تنبيها على أن
الممكن هذا لا الأول وإنه لو كان هذا من اتخاذ اتخاذ الولد في شيء لجاز الولد عليه
سبحانه وتعالى شأنه عن ذلك فقد تحقق التلازم وحق نفي اللازم وإثبات الملزوم دون
صعوبة ؛ ويجوز أن يكون المراد لو أراد الله أن يتخذ لامتنع ولم يصح لكن على إرادة
نفي الصحة على كل تقدير من تقديري الإرادة وعدمها من باب ـ لو لم يخف الله لم يعصه
ـ فلا ينفي الثاني إذ ذاك ولا يحتاج إلى بيان الملازمة وإذا امتنع ذلك فالممكن
الاصطفاء وقد اصطفى سبحانه من مخلوقاته من شاء كالملائكة وعيسى وذهب عليكم أن
الاصطفاء ليس باتخاذ ، والجواب على هذا الوجه أيضا محذوف أقيم مقامه ما يفيد زيادة
مبالغة ، وإنما لم يجعل لاصطفى هو الجواب عليه لصيرورة المعنى حينئذ لو أراد اتخاذ
الولد لاصطفى ولو لم يرد لاصطفى من طريق الأولى وحينئذ يكون إثبات الاصطفاء هو
المطلوب من الإيراد كما أن التمدح بنفي العصيان في مثال الباب هو المطلوب وليس
الكلام فيه ، وعلى الوجهين هو من أسلوب :
ولا عيب فيهم
غير أن سيوفهم
|
|
بهن فلول من
قراع الكتائب
|
وجوز أن يكون
المعنى في الآية لو أراد الله تعالى أن يتخذ ولدا لجعل المخلوق ولدا إذ لا موجود
سواه إلا وهو