الأبدية التي يستحقر دونها الحياة الدنيوية. وفيه تخليص العاصي من اكتساب المعاصي ، ثم إن حمل المرض والشفاء على ما هو الظاهر منهما هو الذي ذهب إليه المفسرون. وعن جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه أن المعنى وإذا مرضت بالذنوب فهو يشفيني بالتوبة ولعله لا يصح وإن صح فهو من باب الإشارة لا العبارة ، و (ثُمَ) في قوله : (ثُمَّ يُحْيِينِ) للتراخي الزماني لأن المراد بالإحياء الإحياء للبعث وهو متراخ عن الإماتة في الزمان في نفس الأمر وإن كان كل آت قريب ، وأثبت ابن أبي إسحاق ياء المتكلم في (يَهْدِيَنِي) وما بعده وهي رواية عن نافع (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) استعظم عليهالسلام ما عسى يندر منه من فعل خلاف الأولى حتى سماه خطيئة. وقيل : أراد بها قوله : (إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩] وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣] ، وقوله لسارة هي أختي ، ويدل على أنه عليهالسلام عدها من الخطايا ما ورد في حديث الشفاعة من امتناعه عليهالسلام من أن يشفع حياء من الله عزوجل لصدور ذلك عنه. وفيه أنه وإن صح عدها من الخطايا بالنظر إليه عليهالسلام لما قالوا : إن حسنات الأبرار سيئات المقربين إلا أنه لا يصح إرادتها هنا لما أنها إنما صدرت عنه عليهالسلام بعد هذه المقاولة الجارية بينه وبين قومه ، أما الثالثة فظاهرة لوقوعها بعد مهاجرته عليهالسلام إلى الشام ؛ وأما الأوليان فلأنهما وقعتا مكتنفتين بكسر الأصنام ، ومن البين أن جريان هذه المقالات فيما بينهم كان في مبادئ الأمر ، وهذا أولى مما قيل : إنها من المعاريض وهي لكونها في صورة الكذب يمتنع لها من تصدر عنه من الشفاعة ولكونها ليست كذبا حقيقة لا تفتقر إلى الاستغفار فلا يصح إرادتها هنا لأن ذلك الامتناع ليس إلا لعده إياها من الخطايا ومتى عدت منها افتقرت إلى الاستغفار ، وقيل : أراد بها ما صدر عنه عند رؤية الكوكب والقمر والشمس من قوله : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٦] وكان ذلك قبل هذه المقاولة كما لا يخفى ، وقد تقدم أن ذلك ليس من الخطيئة في شيء ، وقيل : أراد بها ما عسى يندر منه من الصغائر وهو قريب مما تقدم ، وقيل : أراد بها خطيئة من يؤمن به عليهالسلام كما قيل نحوه في قوله تعالى : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ، وهو كما ترى والطمع على ظاهره ولم يجزم عليهالسلام لعلمه أن لا وجوب على الله عزوجل. وعن الحسن أن المراد به اليقين وليس بذاك. والظرفان متعلقان بيغفر.
والإتيان بالأول للإشارة إلى أن نفع مغفرته تعالى إنما يعود إليه عليهالسلام. وتعليق المغفرة بيوم الدين مع أن الخطيئة إنما تغفر في الدنيا لأن أثرها يتبين يومئذ ولأن في ذلك تهويلا لذلك اليوم. وإشارة إلى وقوع الجزاء فيه إن لم تغفر. وفي هذه الجملة من التلطف بأبيه وقومه في الدعوة إلى الإيمان ما فيها. وقرأ الحسن «خطاياي» على الجمع (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) لما ذكر لهم من صفاته عزوجل مما يدل على كمال لطفه تعالى به ما ذكر حمله ذلك على مناجاته تعالى ودعائه لربط العتيد وجلب المزيد. والمراد بالحكم على ما اختاره الإمام الحكمة التي هي كمال القوة العلمية بأن يكون عالما بالخير لأجل العمل به. وقيل : الأولى أن يفسر بكمال العلم المتعلق بالذات والصفات وسائر شئونه عزوجل وأحكامه التي يتعبد بها. وقيل : هي النبوة ورد بأنها كانت حاصلة له عليهالسلام. فالمطلوب إما عين الحاصل وهو محال ضرورة امتناع تحصيل الحاصل أو غيره وهو محال أيضا لأن الشخص الواحد لا يكون نبيا مرتين. وأجيب بمنع كونها حاصلة وقت الدعاء سلمنا ذلك إلا أنه لا محذور لجواز أن يكون المراد طلب كمالها ويكون بمزيد القرب والوقوف على الأسرار الإلهية والأنبياء عليهمالسلام متفاوتون في ذلك. وجوز أن يكون المراد طلب الثبات ولا يجب على الله تعالى شيء. والمراد بقوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) طلب كمال القوة العملية بأن يكون موفقا لأعمال ترشحه للانتظام في زمرة الكاملين الراسخين في الصلاح المنزهين عن كبائر الذنوب وصغائرها. وقدم الدعاء الأول على الثاني لأن القوة العلمية مقدمة على القوة العملية لأنه يمكن أن يعلم الحق وإن لم يعمل به وعكسه غير