جاء في حديث أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي موسى مرفوعا بل أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما (١) أنها شارح ابنة أشير بن يعقوب عليهالسلام فهي بنت أخي يوسف عليهالسلام فتكون أقرب من موسى عليهالسلام إلى إسرائيل.
وأجيب بأن من يرجع الضمير على القبط لا يلزمه أن يفسر الآية بالإغراق والإنجاء بل يقول : المراد بها المعجزات من العصا واليد وانفلاق البحر ويقول : إن إيمان الأقل بعد تحقق بعضها كاف لاتحاد مدلولها في تحقق المفهوم ، وأما إرجاع الضمير على الناس الموجودين بعد الإغراق والإنجاء من بني إسرائيل وقوم فرعون الذين لم يخرجوا معه فخلاف الظاهر وكذا حمل الإيمان على ما ذكر وجعل أكثر بني إسرائيل المخصوصين بالإنجاء غير مؤمنين وإن حصل منهم عند وقوع بعض الآيات ما لا ينبغي صدوره من المؤمنين فإنهم لم يستمروا عليه. فقد أخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي الدرداء جعل النبي صلىاللهعليهوسلم يصفق بيديه ويعجب من بني إسرائيل وتعنتهم لما حضروا البحر وحضر عدوهم جاءوا موسى عليهالسلام فقالوا : قد حضرنا العدو فما ذا أمرت قال : إن أنزل هاهنا فإما أن يفتح لي ربي ويهزمهم وإما أن يفرق لي هذا البحر فانطلق نفر منهم حتى وقعوا في البحر فأوحى الله تعالى إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فتأطط كما يتأطط العرش ثم ضربه الثانية فمثل ذلك ثم ضربه الثالثة فانصدع فقالوا هذا عن غير سلطان موسى فجازوا البحر فلم يسمع بقوم أعظم ذنبا ولا أسرع توبة منهم.
ومتى حمل الإيمان على ما ذكر وصح نفي الإيمان عمن صدر منه ما يدل على عدم رسوخه جاز إرجاع الضمير على بني إسرائيل خاصة فإن أكثرهم لم يكونوا راسخين فيه. وظاهر عبارة بعضهم يوهم إرجاعه إليهم وليس ذاك بشيء ، وقد سلك شيخ الإسلام في تفسير الآية مسلكا تفرد في سلوكه فيما أظن فقال : إن في ذلك أي في جميع ما فصل مما صدر عن موسى عليهالسلام وظهر على يديه من المعجزات القاهرة ومما فعل فرعون وقومه من الأقوال والأفعال وما فعل بهم من العذاب والنكال لآية أي آية وآية عظيمة لا تكاد توصف موجبة لأن يعتبر بها المعتبرون ويقيسوا شأن النبي صلىاللهعليهوسلم بشأن موسى عليهالسلام وحال أنفسهم بحال أولئك المهلكين ويجتنبوا تعاطي ما كانوا يتعاطونه من الكفر والمعاصي ومخالفة الرسول ويؤمنوا بالله تعالى ويطيعوا رسوله صلىاللهعليهوسلم كيلا يحل بهم ما حل بأولئك أو إن فيما فصل في القصة من حيث حكايته عليهالسلام إياها على ما هي عليه من غير أن يسمعها من أحد لآية عظيمة دالة على أن ذلك بطريق الوحي الصادق موجبة للإيمان بالله تعالى وحده وطاعة رسوله صلىاللهعليهوسلم وما كان أكثرهم أي أكثر هؤلاء الذين سمعوا قصتهم منه عليه الصلاة والسلام مؤمنين لا بأن يقيسوا شأنه صلىاللهعليهوسلم بشأن موسى عليهالسلام وحال أنفسهم بحال أولئك المكذبين المهلكين ولا بأن يتدبروا في حكايته عليه الصلاة والسلام لقصتهم من غير أن يسمعها من أحد مع كون كل من الطريقين مما يؤدي إلى الإيمان قطعا ، ومعنى (ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) ما أكثرهم مؤمنين على أن (كانَ) زائدة كما هو رأي سيبويه فيكون كقوله تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف : ١٠٣] وهو إخبار منه تعالى بما سيكون من المشركين بعد سماع الآيات الناطقة بالقصة تقريرا لما مر من قوله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا) [الشعراء : ٥] إلخ ، وإيثار الجملة الاسمية للدلالة على استقرارهم على عدم الإيمان واستمرارهم عليه.
ويجوز أن تجعل (كانَ) بمعنى صار كما في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٣٤ ، ص: ٧٤]
__________________
(١) وذكر بعضهم أن اسم هذه العجوز مريم بنت ياموشا ا ه منه.