الجانب الآخر ما
يناسبه ويعتبر تشبيه الهيئة المنتزعة من ذلك كله بالهيئة المنتزعة من هذا بالأسر ،
والغرض تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا غاية بعدها ، ومدار قطب
التشبيه أن أولياءهم بمنزلة منسوج العنكبوت ضعف حال وعدم صلوح اعتماد ، وعلى هذا
يكون قوله تعالى : (إِنَّ أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ) تذييلا يقرر الغرض من التشبيه.
وجوز أن يكون
المعنى والغرض من التشبيه ما سمعت إلا أنه يجعل التذييل استعارة تمثيلية ويكون ما
تقدم كالتوطئة لها ، فكأنه قيل : وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبارة الأوثان ،
وهي تقرر الغرض من التشبيه بتبعية تقرير المشبه ، وكأن التقرير في الوجه السابق
بتبعية تقرير المشبه به ، وهذا قريب من تجريد الاستعارة وترشيحها ، ونظير ذلك قولك
: زيد في الكرم بحر والبحر لا يخيب من أتاه إذا كان البحر الثاني مستعارا للكريم ،
وذكر الطرفين إنما يمنع من كونه استعارة لو كان في جملته ، ورجح السابق لأن عادة
البلغاء تقرير أمر المشبه به ليدل به على تقرير المشبه ، ولأن هذا إنما يتميز عن
الألغاز بعد سبق التشبيه.
وجوز أن يكون قوله
تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ) إلخ كالمقدمة الأولى ، وقوله سبحانه : (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ) كالثانية وما هو كالنتيجة محذوف مدلول عليه بما بعد كما في
الكشف ، والمجموع يدل على المراد من تقرير وهن أمر دينهم وأنه بلغ الغاية التي لا
غاية بعدها على سبيل الكناية الإيمائية فتأمل ، والظاهر أن المراد بالعنكبوت النوع
الذي ينسج بيته في الهواء ويصيد به الذباب لا النوع الآخر الذي يحفر بيته في الأرض
ويخرج في الليل كسائر الهوام ، وهي على ما ذكره غير واحد من ذوات السموم فيسن
قتلها لذلك ، لا لما أخرج أبو داود في مراسيله عن يزيد بن مرثد من قوله صلىاللهعليهوسلم : «العنكبوت شيطان مسخها الله تعالى فمن وجدها فليقتلها» فإنه
كما ذكر الدميري ضعيف.
وقيل : لا يسن
قتلها فقد أخرج الخطيب عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخلت أنا وأبو بكر الغار فاجتمعت العنكبوت فنسجت بالباب
فلا تقتلوهن» ذكر هذا الخبر الجلال السيوطي في الدر المنثور ، والله تعالى أعلم
بصحته وكونه مما يصلح للاحتجاج به ، ونصوا على طهارة بيتها لعدم تحقق كون ما تنسج
به من غذائها المستحيل في جوفها مع أن الأصل في الأشياء الطهارة ، وذكر الدميري أن
ذلك لا تخرجه من جوفها بل من خارج جلدها ، وفي هذا بعد. وأنا لم أتحقق أمر ذلك ولم
أعين كونه من فمها أو دبرها أو خارج جلدها لعدم الاعتناء بشأن ذلك لا لعدم إمكان
الوقوف على الحقيقة ، وذكر أنه يحسن إزالة بيتها من البيوت لما أسند الثعلبي وابن
عطية وغيرهما عن علي كرّم الله تعالى وجهه أنه قال : «طهروا بيوتكم من نسج
العنكبوت فإن تركه في البيوت يورث الفقر» وهذا إن صح عن الإمام علي كرّم الله
تعالى وجهه فذاك ، وإلا فحسن الإزالة لما فيها من النظافة ولا شك بندبها. والتاء
في العنكبوت زائدة كتاء طالوت فوزنه فعللوت وهو يقع على الواحد والجمع والمذكر
والمؤنث ، ومن استعماله مذكرا قوله :
على هطالهم منهم
بيوت
|
|
كأن العنكبوت هو
ابتناها
|
واستظهر الفاضل
سعدي جلبي كون المراد به هنا الواحد ، وذهب إلى تأنيثه أيضا فذكر أنه اختير هنا
تأنيثه لأنه المناسب لبيان الخور والضعف فيما يتخذه ، وقال مولانا الخفاجي معرضا
به : الظاهر أن المراد الجمع لا الواحد لقوله تعالى : (الَّذِينَ) وأما أفراد البيت فلأن المراد الجنس ، ولذلك أنث (اتَّخَذَتْ) لا لأن المراد المؤنث ، وفي القاموس العنكبوت معروف وهي
العنكباة والعنكبوه والعنكباء ، والذكر عنكب وهي عنكبة ، وجمعه عنكبوتات وعناكب ،
والعكاب ، والعكب والأعكب أسماء الجموع ، وتعقب بأن عد ما عدا ما ذكره أولا اسم
جمع لا وجه له لأن