(بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي بالميزان السوي ، وقيل : القسطاس القبان وروي ذلك عن الحسن ، وهو عند بعض معرب رومي الأصل ومعناه العدل وروي ذلك عن مجاهد وعند آخرين عربي فقيل : هو من القسط ووزنه فعلاع بتكرير العين شذوذا إذ هي لا تكرر وحدها مع الفصل باللام ، وقيل : من قسطس وهو رباعي ووزنه فعلال ، والمراد الأمر بوفاء الوزن وإتمامه والنهي عن النقص دون النهي عن الزيادة ، والظاهر أنه لم ينه عنها ولم يؤمر بها في الكيل والوزن ، وكأن ذلك دليل على أن من فعلها فقد أحسن ومن لم يفعلها فلا عليه.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن معنى (وَزِنُوا) إلخ وعدلوا أموركم كلها بميزان العدل الذي جعله الله تعالى لعباده ، والظاهر إذ عادل سبحانه به (أَوْفُوا الْكَيْلَ) [الأنعام : ١٥٢] ما تقدم.
وقرأ أكثر السبعة «بالقسطاس» بضم القاف (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) أي لا تنقصوهم شيئا من حقوقهم أي حق كان فإضافة أشياء جنسية ويجوز أن تكون للاستغراق ، والمراد مقابلة الجمع بالجمع فيكون المعنى لا تبخسوا أحدا شيئا ، وجوز أن يكون الجمع للإشارة إلى الأنواع فإنهم كانوا يبخسون كل شيء جليلا كان أو حقيرا ، وهذا تعميم بعد تخصيص بعض المراد بالذكر لغاية انهماكهم فيه ، وقيل : المراد بأشيائهم الدراهم والدنانير وبخسها بالقطع من أطرافها ولولاه لم يجمع. وبخس مما يتعدى إلى اثنين فالمنصوبان مفعولاه ، وقيل هو متعد لواحد فالثاني بدل اشتمال (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) بالقتل والغارة وقطع الطريق ونحو ذلك ، والعثو الفساد أو أشده و «مفسدين» حال مؤكدة ، وجوز أن يكون المراد مفسدين آخرتكم فتكون حالا مؤسسة (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ) أي وذوي الجبلة أي الخلقة والطبيعة أو والمجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها وسبلهم التي قيضوا لسلوكها المتقدمين عليكم من الأمم ، وجاء في رواية عن ابن عباس أن الجبلة الجماعة إذا كانت عشرة آلاف كأنها شبهت على ما قيل بالقطعة العظيمة من الجبل ، وقيل : هي الجماعة الكثيرة مطلقا كأنها شبهت بما ذكر أيضا.
وقرأ أبو حصين والأعمش والحسن بخلاف عنه «الجبلّة» بضم الجيم والباء وشد اللام وقرأ السلمي «الجبلة» بكسر الجيم وسكون الباء كالخلقة ، وفي نسخة عنه بفتح الجيم وسكون الباء قيل وتشديد اللام في القراءتين للمبالغة (قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) الكلام فيه نظير ما تقدم في قصة ثمود بيد أنه أدخل الواو بين الجملتين هنا للدلالة على أن كلا من التسحير والبشرية مناف للرسالة فكيف إذا اجتمعا وأرادوا بذلك المبالغة في التكذيب ، ولم تدخل هناك حيث لم يقصد إلا معنى واحد وهو كونه مسحرا ثم قرر بكونه بشرا مثلهم كذا في الكشاف ، وفي الكشف أن فيه ما يلوح إلى اختصاص كل بموضعه وإن الكلام هنالك في كونه مثلهم غير ممتاز بما يوجب الفضيلة ولهذا عقبوه بقولهم : (فَأْتِ بِآيَةٍ) [الشعراء : ١٥٤] فدل على أنهم لم يجعلوا البشرية منافية للنبوة وإنما جعلوا الوصف تمهيدا للاشتراك وأنه أبدع في دعواه ، وهاهنا ساقوا ذلك مساق ما ينافي النبوة فجعلوا كل واحد صفة مستقلة في المنافاة ليكون أبلغ. وجعلوا إنكار النبوة أمرا مفروغا ولذا عقبوه بقولهم : (وَإِنْ نَظُنُّكَ) إلخ ، وقال النيسابوري في وجه الاختصاص : إن صالحا عليهالسلام قلل في الخطاب فقللوا في الجواب وأكثر شعيب عليهالسلام في الخطاب ولهذا قيل له : خطيب الأنبياء فأكثروا في الجواب ، ولعله أراد أن شعيبا عليهالسلام بالغ في زجرهم فبالغوا في تكذيبه ولا كذلك صالح عليهالسلام مع قومه فتأمل ، و (إِنْ) في قوله سبحانه : (وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) هي المخففة من الثقيلة واللام في (لَمِنَ) هي الفارقة ، وقال الكوفيون : إن نافية واللام بمعنى إلا وهو خلاف مشهور أي وإن الشأن نظنك من الكاذبين في الدعوى أو ما نظنك إلا من الكاذبين فيها ، ومرادهم أنه عليهالسلام وحاشاه راسخ القدم في الكذب في دعواه الرسالة أو فيها وفي دعوى نزول العذاب الذي يشعر به الأمر بالتقوى من التهديد.