العلماء في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) [فاطر : ٢٨] والثاني خوف مع اعتناء ويعدى بمن كما يعدى الخوف وقد يعدى بعلى بملاحظة الحنو والعطف ، وزعم بعضهم أن الخشية هاهنا مجاز عن سببها وأن المراد من الإشفاق شدة الخوف أي وهم من مهابته تعالى شديد والخوف ، والحق أنه لا ضرورة لارتكاب المجاز ، وجوز أن يكون المعنى وهم خائفون من خوف عذابه تعالى على أن من صلة لما بعدها وإضافة خشية إلى المضاف المحذوف من إضافة الصفة إلى الموصوف أي خائفون من العذاب المخوف ، ولا يخفى ما فيه من التكلف المستغنى عنه ، ثم إن هذا الإشفاق صفة لهم دنيا وأخرى كما يشعر به الجملة الاسمية ، وقد كثرت الأخبار الدالة على شدة خوفهم ، ومن ذلك ما أخرج ابن أبي حاتم عن جابر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري بي ومررت بجبريل عليهالسلام وهو بالملإ الأعلى ملقى كالحلس البالي من خشية الله تعالى (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) أي من الملائكة عليهمالسلام ، وقيل من الخلائق ، والأول هو الذي يقتضيه السياق إذ الكلام في الملائكة عليهمالسلام وفي كونهم بمعزل عما قالوه في حقهم ، والمراد من يقل منهم على سبيل الفرض (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) أي متجاوزا إياه تعالى (فَذلِكَ) أي الذي فرض قوله ما ذكر فرض محال (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) كسائر المجرمين ولا يغني عنه ما سبق من الصفات السنية والأفعال المرضية وعن الضحاك وقتادة عدم اعتبار الفرض وقالا : إن الآية خاصة بإبليس عليه اللعنة فإنه دعا إلى عبادة نفسه وشرع الكفر ، والمعول عليه ما ذكرنا ، وفيه من الدلالة على قوة ملكوته تعالى وعزة جبروته واستحالة كون الملائكة بحيث يتوهم في حقهم ما يتوهم أولئك الكفرة ما لا يخفى.
وقرأ أبو عبد الرحمن المقري «نجزيه» بضم النون أراد نجزئه بالهمز من أجزأني كذا كفاني ثم خفف الهمزة فانقلبت ياء (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) مصدر تشبيهي مؤكد لمضمون ما قبله أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الذي يضعون الأشياء في غير مواضعها ويتعدون أطوارهم ، والقصر المستفاد من التقديم يعتبر بالنسبة إلى النقصان دون الزيادة أي لأجزاء أنقص منه (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) تجهيل لهم بتقصيرهم عن التدبر في الآيات التكوينية الدالة على عظيم قدرته وتصرفه وكون جميع ما سواه مقهورا تحت ملكوته على وجه ينتفعون به ويعلمون أن من كان كذلك لا ينبغي أن يعدل عن عبادته إلى عبادة حجر أو نحوه مما لا يضر ولا ينفع ، والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر. وقرأ ابن كثير وحميد وابن محيصن بغير واو ، والرؤية قلبية أي ألم يتفكروا ولم يعلموا (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا) الضمير للسماوات والأرض ، والمراد من السموات طائفتها ولذا ثني الضمير ولم يجمع ، ومثل ذلك قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] وكذا قول الأسود بن يعفر :
إن المنية والحتوف كلاهما |
|
دون المحارم يرقبان سوادي |
وأفرد الخبر أعني قوله تعالى : (رَتْقاً) ولم يثن لأنه مصدر ، والحمل إما بتأويله بمشتق أو لقصد المبالغة أو بتقدير مضاف أي ذاتي رتق ، وهو في الأصل الضم والالتحام خلقة كأن أم صنعة ، ومنه الرتقاء الملتحمة محل الجماع وقرأ الحسن وزيد بن علي وأبو حيوة وعيسى «رتقا» بفتح التاء وهو اسم المرتوق كالنقض والنقض فكان قياسه أن يثنّى هنا ليطابق الاسم فقال الزمخشري : هو على تقدير موصوف أي كانتا شيئا رتقا وشيء اسم جنس شامل للقليل والكثير فيصح الإخبار به عن المثنى كالجمع ويحسنه أنه في حال الرتقية لا تعدد فيه.
وقال أبو الفضل الرازي : الأكثر في هذا الباب أن يكون المتحرك منه اسما بمعنى المفعول والساكن مصدرا وقد يكونان مصدرين ، والأولى هنا كونهما كذلك وحينئذ لا حاجة إلى ما قاله الزمخشري في توجيه الأخبار ، وقد أريد بالرتق على ما نقل عن أبي مسلم الأصفهاني حالة العدم إذ ليس فيه ذوات متميزة فكان السموات والأرض أمر واحد