أَمَّا أَحَدُكُما) أراد به الشرابي ، وإنما لم يعينه عليهالسلام ثقة بدلالة التعبير مع ما فيه من رعاية حسن الصحبة (فَيَسْقِي رَبَّهُ) أي سيده (خَمْراً) روي أنه عليهالسلام قال له : ما رأيت من الكرمة وحسنها هو الملك وحسن حالك عنده ، وأما القضبان الثلاثة فإنها ثلاثة أيام تمضي في السجن ثم تخرج وتعود إلى ما كنت عليه ، وقرئ «فيسقي» بضم الياء والبناء للفاعل من أسقى ، قال صاحب اللوامح : يقال : سقى ، وأسقى بمعنى ، وقرئ في السبعة «نسقيكم» و «نسقيكم» بالفتح والضم ، والمعروف أن سقاه ناوله ليشرب. وأسقاه جعل له سقيا ، ونسب ضم الياء لعكرمة ، والجحدري ، وذكر بعضهم أن عكرمة قرأ «فيسقى» بالبناء للمفعول ، و ـ ريه ـ بالياء المثناة والراء المكسورة ، والمراد به ما يروى به وهو مفعول ثان ـ ليسقى ـ والمفعول الأول الضمير النائب عن الفاعل العائد على أحد ، ونصب (خَمْراً) حينئذ على التمييز (وَأَمَّا الْآخَرُ) وهو الخباز (فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ) روي أنه عليهالسلام قال له : ما رأيت السلال الآخرة الثلاث ثلاثة أيام تمر ثم تخرج فتصلب (قُضِيَ) أتم وأحكم (الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) وهو ما يؤول إليه حالكما وتدل عليه رؤياكما من نجاة أحدكما وهلاك الآخر ، ومعنى استفتائهما فيه سؤالهما عنه ، أخرج جماعة منهم الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : ما رأى صاحبا يوسف شيئا إنما تحالما ليجربا علمه فلما أول رؤياهما قالا : إنما كنا نلعب ولم نر شيئا ، فقال عليهالسلام : (قُضِيَ الْأَمْرُ) إلخ يقول : وقعت العبارة ا ه ، وقيل : المراد بالأمر ما اتهما به ، والكلام حينئذ على حذف مضاف أي عاقبة ذلك.
وذهب بعض المحققين إلى أن المراد به ما رأياه من الرؤيتين ، ونفى أن يكون المراد ما يؤول إليه أمرهما ، قال : لأن الاستفتاء إنما يكون في الحادثة لا في حكمها يقال : استفتى الفقيه في الحادثة أي طلب منه بيان حكمها ولا يقال : استفتاه في حكمها وكذا الإفتاء ، يقال : أفتى في الواقعة الفلانية بكذا ولا يقال : أفتى في حكمها بكذا ؛ ومما هو علم في ذلك قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ) ومعنى استفتائهما فيه طلبهما لتأويله بقولهما (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) وعبر عن ذلك بالأمر وعن طلب تأويله بالاستفتاء تهويلا لأمره وتفخيما لشأنه إذ الاستفتاء إنما يكون في النوازل المشكلة الحكم المبهمة الجواب ، وإيثار صيغة المضارع لما أنهما بصدد الاستفتاء إلى أن يقضي عليهالسلام من الجواب وطره وإسناد القضاء إليه مع أنه من أحوال مآله لأنه في الحقيقة عين ذلك المآل ، وقد ظهر في عالم المثال بتلك الصورة ، وأما توحيده مع تعدد رؤياهما فوارد على حسب ما وحداه في قولهما : (نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ) لا لأن الأمر ما اتهما به وسجنا لأجله من سمّ الملك فإنهما لم يستفتيا فيه ولا فيما هو صورته بل فيما هو صورة لمآله وعاقبته فتأمل ا ه.
وتعقب بأنه لا مانع من أن يراد بالأمر المآل كما يقتضيه ظاهر إسناد إليه وإليه ذهب الكثير ، وتجعل ـ في ـ للسببية مثلها في قوله عليه الصلاة والسلام : «إن امرأة دخلت النار في هرة» ويكون معنى الاستفتاء فيه الاستفتاء بسببه أي طلب بيان حكم الرؤيتين لأجله ، وهما إنما طلبا ذلك لتعرف حالهما ومآل أمرهما.
وإن أبيت ذلك فأي مانع من أن يكون الاستفتاء في الأمر مع أن الاستفتاء إنما يكون في الحادثة ، وهي هنا الرؤيتان لما أن بين الأمر وتلك الحادثة اتحادا كما ادعاه هو ، ووجه به إسناد القضاء إلى الأمر بالمعنى الذي حمله عليه مع أنه من أحوال مآله ، وليس له أن يقول بصحة اعتبار العينية في إسناد القضاء وعدم صحة اعتبارها في تعلق الاستفتاء إذ بعد اعتبار العينية بين شيئين يكون صحة نسبة ما هو من أحوال أحدهما إلى الآخر دون صحة نسبة ما هو من أحوال ذلك الآخر إليه ترجيحا بلا مرجح ، ومنع ذلك مكابرة ، ويرجح ما ذهب إليه الكثير أن فيه سلامة من نزع الخف قبل الوصول إلى الماء كما لا يخفى على من تيمم كعبة الإنصاف ، وبأن ما ذكره في تعليل عدم صحة تفسير الأمر بما اتهما به وسجنا لأجله لا يخلو عن دغدغة على أن ذلك كان تعريضا بصاحب الكشاف وهو على ما قال الطيبي : ما