فيهم علو الجناب ،
وأما التي لها زوج فمراودتها لغيره لا سيما لمن لم يكن بينها وبينه كفاءة لها
وتماديها في ذلك غاية الغي ونهاية الضلال (قَدْ شَغَفَها حُبًّا) أي شق حبه شغاف قلبها وهو حجابه.
وقيل : هو جلدة
رقيقة يقال لها : لسان القلب حتى وصل الى فؤادها ، وبهذا يحصل المبالغة في وصفها
بالحب له ، وقيل : الشغاف سويداء القلب ، فالمبالغة حينئذ ظاهرة ، والى هذا يرجع
ما روي عن الحسن من أن الشغاف باطن القلب ، وما حكي عن أبي علي من أنه وسطه والفعل
مفتوح الغين المعجمة عند الجمهور.
وقرأ ثابت البناني
بكسرها وهي لغة تميم ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجه ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد
، وابنه جعفر رضي الله تعالى عنهما ، والشعبي ، وعوف الأعرابي ـ شعفها ـ بفتح
العين المهملة ، وهي رواية عن قتادة ، وابن هرمز ، ومجاهد ، وحميد ، والزهري ،
وروي عن ثابت البناني أنه قرأ كذلك أيضا إلا أنه كسر العين ، وهو من شعف البعير
إذ هنأه فأحرقه بالقطران ، فالمعنى وصل حبه الى قلبها فكاد يحترق ، ومن هذا قول
الأعشى :
يعصي الوشاة
وكان الحب آونة
|
|
مما يزين
للمشعوف ما صنعا
|
وذكر الراغب أنه
من شعفة القلب وهي رأسه عند معلق النياط ، ويقال : لأعلى الجبل شعفة أيضا ، وأخرج
ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن ابن عباس أن الشغف الحب القاتل ، والشعف حب دون ذلك
، وأخرجا عن الشعبي أن الشغف الحب ، والشعف الجنون ، وأخرجا أيضا عن ابن زيد أن
الشغف في الحب ، والشعف في البغض ، وهذا المعنى ممتنع الإرادة هنا على هذه القراءة
، وفي كتاب أسرار البلاغة في فصل ترتيب الحب أن أول مراتب الحب الهوى ، ثم العلاقة
وهي الحب اللازم للقلب ، ثم الكلف وهو شدة الحب ، ثم العشق وهو اسم لما فضل عن
المقدار المسمى بالحب ، ثم الشعف بالمهملة وهو احتراق القلب مع لذة يجدها ، وكذلك
اللوعة واللاعج ، ثم الشغف بالمعجمة وهو أن يبلغ الحب شغاف القلب ، ثم الجوى وهو
الهوى الباطن ، ثم التيم وهو أن يستعبده الحب ، ثم التبل وهو أن يسقمه الحب ، ثم
التدله وهو ذهاب العقل من الحب ، ثم الهيوم وهو أن يذهب الرجل على وجهه لغلبة
الهوى عليه ا ه.
ورتب بعضهم ذلك
على طراز آخر والله تعالى أعلم ، وأيا ما كان فالجملة إما خبر ثان أو حال من فاعل (تُراوِدُ) أو من مفعوله ، والمقصود منها تكرير اللوم وتأكيد العذل
ببيان اختلاف أحوالها القلبية كأحوالها القالبية ، وجوز أبو البقاء كونها
استئنافية فهي حينئذ على ما قيل : في موضع التعليل لدوام المراودة ، وليس بذاك
لأنه إن اعتبر من حيث الإنية كان مصيره إلى الاستدلال بالأخفى على الأجلى ، وإن
اعتبر من حيث اللمية كان فيه ميل إلى تمهيد العذر من قبلها وليس المقام له ،
وانتصاب (حُبًّا) على التمييز وهو محول عن الفاعل إذ الأصل قد شغفها حبه كما
أشير إليه ، وأدغم النحويان ، وحمزة ، وهشام ، وابن محيصن دال (قَدْ) في شين شغفها.
(إِنَّا لَنَراها) أي نعلمها ، فالرؤية قلبية واستعمالها بمعنى العلم حقيقة
كاستعمالها بمعنى الإحساس بالبصر ، وإذا أريد منها البصرية ثم تجوز بها عن العلمية
كان أبلغ في إفادة كونها فيما صنعت من المراودة والمحبة المفرطة مستقرة (فِي ضَلالٍ) عظيم عن طريق الرشد والصواب أو سنن العقل (مُبِينٍ) واضح لا يخفى كونه ضلالا على أحد ، أو مظهر لأمرها بين
الناس ، فالتنوين للتفخيم والجملة مقرّرة لمضمون الجملتين السابقتين المسوقتين
للوم والتشنيع ، وتسجيل عليها بأنها في أمرها على خطأ عظيم ، وإنما لم يقلن : إنها
لفي ضلال مبين إشعارا كما قيل : بأن ذلك الحكم
__________________