آخرين في ديارهم وأموالهم وهو استئناف نحوي عند بعض بناء على جواز تصديره بالواو.
وقال الطيبي : المراد به أن الجملة ليست بداخلة في الجملة الشرطية جزاء بل تكون جملة برأسها معطوفة على الجملة الشرطية وهو خلاف الظاهر من العبارة ، وعليه تكون مرتبة على قوله سبحانه : (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) والمعنى أنه على العدل ينتقم منكم ويهلككم ، وقال الجلبي : لا مانع عندي من حمله على الاستئناف البياني جوابا عما يترتب على التولي وهو الظاهر كأنه قيل : ما يفعل بهم إذا تولوا؟ فقيل : (يَسْتَخْلِفُ) إلخ.
وتعقبه بعضهم بأن الاستئناف البياني لا يقترن بالواو ، وجوز أن يكون عطفا على الجواب لكن على ما بعد الفاء لأنه الجواب في الحقيقة ، والفاء رابطة له ودخول الفاء على المضارع هنا لأنه تابع يتسامح فيه.
وقيل : تقديره فقل : (يَسْتَخْلِفُ) إلخ ، وقرأ حفص برواية هبيرة و «يستخلف» بالجزم وهو عطف على موضع الجملة الجزائية مع الفاء كأنه قيل : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يعذرني ويهلككم (وَيَسْتَخْلِفُ) مكانكم آخرين.
وجوز أبو البقاء كون ذلك تسكينا لتوالي الحركات ، وقرأ عبد الله كذلك ، وبجزم قوله سبحانه : (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) ، وقيل : إن من جزم الأول جزم هذا لعطفه عليه وهو الظاهر ، والمعنى لا تضرونه بهلاككم شيئا أي لا ينتقص ملكه ولا يختل أمره ، ويؤيد هذا ما روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ ولا تنقصونه شيئا ، ونصب (شَيْئاً) على أنه مفعول مطلق لتضرون أي شيئا من الضرر لأنه لا يتعدى لاثنين ، وجعله بعضهم مفعولا ثانيا مفسرا له بما يتعدى لهما لمكان الرواية ، وجوز ابن عطية أن يكون المعنى أنكم لا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء ولا على الانتصار منه ولا تقابلون فعله بشيء يضره تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، والأول أظهر ، وقدر بعضهم التولي بدل الإهلاك أي ولا تضرونه بتوليكم شيئا من الضرر لاستحالة ذلك عليه سبحانه (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) أي رقيب محيط بالأشياء علما فلا يخفى عليه أعمالكم ولا يغفل عن مؤاخذتكم. فالحفظ كناية عن المجازاة ، ويجوز أن يكون الحفيظ بمعنى الحافظ بمعنى الحاكم المستولي أي إنه سبحانه حافظ مستول على كل شيء ، ومن شأنه ذلك كيف يضره شيء (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) أي نزل عذابنا على أن الأمر واحد الأمور ، قيل : أو المأمور به ، وفي التعبير عنه بذلك مضافا إلى ضميره جل جلاله ، وعن نزوله بالمجيء ما لا يخفى من التفخيم والتهويل.
وجوز أن يكون واحد الأوامر أي وورد أمرنا بالعذاب ، والكلام على الحقيقة إن أريد أمر الملائكة عليهمالسلام ، ويجوز أن يكون ذلك مجازا عن الوقوع على سبيل التمثيل (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) قيل : كانوا أربعة آلاف ، وقيل : ثلاثة آلاف ، ولعل الانتصار للأنبياء عليهمالسلام لم يكن مأذونا به للمؤمنين إذ ذاك فلا ينافي ما تقدم نقله من أنه عليهالسلام كان وحده ، ولذا عد مواجهته للجم الغفير معجزة له صلىاللهعليهوسلم لكن لا بد لهذا من دليل كدعوى انفراده عنهم حين المقاولة ؛ وفي الحواشي الشهابية أنه لا مانع من ذلك باعتبار حالين وزمانين فتأمل ، والظاهر أن ما كان من المقاولة إنما هو في ابتداء الدعوة ومجيء الأمر كان بعد بكثير وإيمان من آمن كان في البين فترتفع المنافاة (بِرَحْمَةٍ) عظيمة كائنة (مِنَّا) وهي الإيمان الذي أنعمنا به عليهم.
وروي هذا عن ابن عباس والحسن ، وذكره الزمخشري ـ ولشم بعضهم منه رائحة الاعتزال ـ لم يلتفت إليه ولا بأس بأن تحمل الرحمة عن الفضل فيفيد أن ذلك بمحض فضل الله تعالى إذا له سبحانه تعذيب المطيع كما أن له جل وعلا إثابة العاصي ، والجار والمجرور الأول متعلق ـ بنجينا ـ وهو الظاهر الذي عليه كثير من المفسرين.
وجوز أبو حيان كونه متعلقا ـ بآمنوا ـ أي إن إيمانهم بالله تعالى ورسوله عليهالسلام برحمة من الله تعالى إذ وفقهم إليه ، ولعل ترتيب الإنجاء على النزول باعتبار ما تضمنه من تعذيب الكفار فيكون قد صرح بالإنجاء اهتماما ،