وزعم أبو حيان تعين الأخير لأن الجواب إنما يقدر مما تقدمه لفظا أو تقديرا ولم يدر أن تقديره من غير جنس المذكور إذا قامت قرينة عليه ليس بعزيز ، ولئن سلم صحة الحصر الذي ادعاه فما ذكر غير خارج عنه بناء على أن المقصود من (أَرَأَيْتُمْ ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ) إلخ تنديمهم أو تجهيلهم كما نص عليه بعض المحققين.
وفي الكشف تقرير لأحد الأوجه المذكورة في الكشاف أن (ما ذا) إلخ متعلق الاستخبار والشرط مع جوابه المحذوف مقرر لمضمون الاستخبار ولهذا وسط بينهما ، ولما كان في الاستفهام تجهيل وتنديم قدر الجواب تندموا أو تعرفوا الخطأ ، ولا مانع من تقديرهما معا أو ما يفيد المعنيين ولهذا حذف الجواب ووسط تأكيدا على تأكيد انتهى. وجوز كون (ما ذا يَسْتَعْجِلُ) جوابا للشرط كقولك : إن أتيتك ما ذا تطعمني والمجموع بتمامه متعلق «بأ رأيتم» ورد بأن جواب الشرط إذا كان استفهاما فلا بد فيه من الفاء تقول أن زارنا فلان فأي رجل هو ولا تحذف إلا ضرورة ، وقد صرح في المفصل بأن الجملة إذا كانت إنشائية لا بد من الفاء معها ، والاستفهام وإن لم يرد به حقيقته لم يخرج عن الإنشائية ، والمثال مصنوع فلا يعول عليه.
وأجيب بأن الرضي صرح بأن وقوع الجملة الاستفهامية جوابا بدون الفاء ثابت في كثير من الكلام الفصيح ، ولو سلم ما ذكر فيقدر القول وحذفه كثير مطرد بلا خلاف ، وأورد أيضا على هذا الوجه أن استعجال العذاب قبل إتيانه فكيف يكون مرتبا عليه وجزاء له ، وأجيب بأنه حكاية عن حال ماضية أي ما ذا كنتم تستعجلون ، ويشهد لهذا التصريح ـ بكنتم ـ فيما بعد والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وأنت تعلم أن مجرد ذلك لا يجوز كونه جوابا لأن الاستعجال الماضي لا يترتب على إتيان العذاب فلا بد من تقدير نحو تعلموا أي تعلموا ما ذا إلخ ، وقيل : إن أتاكم بمعنى إن قارب إتيانه إياكم أو المراد إن أتاكم أمارات عذابه ، وقيل : حيث إن المراد إنكار الاستعجال بمعنى نفيه رأسا صح كونه جوابا ، واعترض على جعل مجموع الشرطية متعلقا «بأ رأيتم» بأنه لا يصح أن يكون مفعولا به له بناء على أنه بمعنى أخبروني وهو متعد بعن ولا تدخل الجملة إلا أنها إذا اقترنت بالاستفهام وقلنا بجواز تعليقها وفيه كلام في العربية جاز ، ودفع بأن مراد القائل بالتعلق التعلق اللغوي لأن المعنى أخبروني عن صنيعكم إن أتاكم إلخ ، والمراد بقوله سبحانه : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ) زيادة التنديم والتجهيل ، والمعنى أإذا وقع العذاب وحل بكم حقيقة آمنتم به وعاد استهزاؤكم وتكذيبكم تصديقا وإذعانا ، وجيء بثم دلالة على زيادة الاستبعاد ، وفيه أن هذا الثاني أبعد من الأول وأدخل في الإنكار.
وجوز أن يكون هذا جواب الشرط والاستفهامية الأولى اعتراض ، والمعنى أخبروني إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه حين لا ينفعكم الإيمان ، وأصل الكلام على ما قيل : إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا أو وقع وتحقق آمنتم ثم جيء بحرف التراخي بدل الواو دلالة على الاستبعاد ثم زيد أداة الشرط دلالة على استقلاله بالاستبعاد وعلى أن الأول كالتمهيد له وجيء ـ بإذا ـ مؤكدا ـ بما ـ ترشيحا لمعنى الوقوع والتحقيق وزيادة للتجهيل وأنهم لم يؤمنوا إلا بعد أن لم ينفعهم البتة ، وهذا الوجه مما جوزه الزمخشري. وتعقب بأنه في غاية البعد لأن ثم حرف عطف لم يسمع تصدير الجواب به والجملة المصدرة بالاستفهام لا تقع جوابا بدون الفاء وأجيب عن هذا بما مر.
وأما الجواب عنه بأنه أجرى (ثُمَ) مجرى الفاء فكما أن الفاء في الأصل للعطف والترتيب وقد ربطت الجزاء فكذلك هذه فمخالف لإجماع النحاة ، وقياسه على الفاء غير جلي ولهذه الدغدغة قيل : مراد الزمخشري أنه يدل على الجواب التقدير إن أتاكم عذابه آمنتم به بعد وقوعه وما في النظم الكريم معطوف عليه للتأكيد نحو (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا (١) سَوْفَ تَعْلَمُونَ) وتعقب بأنه لا يخفى تكلفه فإن عطف التأكيد بثم مع حذف المؤكد مما لا ينبغي ارتكابه ولو قيل : المراد إن (آمَنْتُمْ) هو الجواب و (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) معترض فالاعتراض بالواو والفاء وأما ـ بثم ـ