ويلاحظ هنا :
إن تصرف أبي بكر بجمع خمسمائة حديث شاهد على عدم وجود النهي السابق بشأن تدوين الحديث ، وإلا لكان ذلك الجمع مخالفا للنهي عنه.
كما إن تعليله إحراق الأحاديث بالنار لم يستند على نهي سابق عن التدوين ، بل كان لأجل خشيته من عدم مطابقة تلك الأحاديث للواقع ، وخوفه من المشاركة في حمل أوزارها.
وهذا مما لا يمكن قبوله للأسباب التالية :
١ ـ إن من كان مثل أبي بكر لا يحتاج إلى مثل هذه الطريقة في جمع الأحاديث قطعا ، إذ بإمكانه ـ وهو الخليفة المطاع أمره ـ أن يوعز إلى كبار الصحابة وأجلائهم وحفاظهم بذلك ، ويوكل لهم أمر التحري عن صدق ما يتناقله الناس من الحديث في عصره ، ويوكل إليهم مهمة الجمع على غرار ما يروى من أنه جمع المصحف الشريف ، ودون بإشرافه.
٢ ـ لو تنزلنا عن ذلك ، فإنه لا يحتاج إلى الواسطة في رواية خمسمائة حديث عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ، بالقياس إلى فترة إسلامه المبكر ، ومن غير المعقول أن لا تكون لأبي بكر مسموعات بلا واسطة من ضمن المقدار الذي جمعه ، إذ من البعيد جدا أن يترك ما سمعه بنفسه عن النبي (صلىاللهعليهوآلهوسلم) ويقتصر على ما سمعه بالواسطة!
فظاهر الحال أنه أحرق مسموعاته ومسموعات غيره ، ولا أجد ـ مع هذا الفرض المقبول ـ تعليلا في تكذيب الرجل نفسه ، ليسوغ له إحراق ما