والسلام من أهل مكة القائلين : الملائكة بنات الله واليهود القائلين : عزير ابن الله والنصارى القائلين : عيسى ابن الله (قُلْ إِنَّ صَلاتِي) أي جنسها لتشمل المفروضة وغيرها. وأعيد الأمر لمزيد الاعتناء ، وقيل : لأن المأمور به متعلق بفروع الشرائع وما سبق بأصولها (وَنُسُكِي) أي عبادتي كلها كما قال الزجاج ، والجبائي ، وهو من عطف العام على الخاص. وعن سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي أن المراد به الذبيحة للحج والعمرة. وعن قتادة الأضحية ، وجمع بينه وبين الصلاة كما في قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر : ٢] على المشهور. وقيل : المراد به الحج أي إن صلاتي وحجي (وَمَحْيايَ وَمَماتِي) أي ما يقارن حياتي وموتي من الإيمان والعمل الصالح.
وقيل : يحتمل أن يكون المراد بالمحيا والممات ظاهر والأول هو المناسب لقوله تعالى : (لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) إذ المراد به الخلوص بحسب الظاهر. وقيل : المراد به نظرا لهذا الاحتمال أن ذلك له تعالى ملكا وقدرة (لا شَرِيكَ لَهُ) أي في عبادتي أو فيها وفي الإحياء والإماتة. وقرأ نافع «محياي» بإسكان الياء إجراء للوصل مجرى الوقف ، وفي رواية أنه كسر الياء ، وعلى الرواية الأولى إنما جاز التقاء الساكنين لنية الوقف وفيه يجوز ذلك فطعن بعضهم في ذلك بأن فيه الجمع بين الساكنين وهو لا يجوز ليس في محله ، وقد روى هذه القراءة عن نافع جماعة ، وما قيل : إنه رجع عنها وأنه لا يحل لأحد نقلها عنه ليس بشيء.
(وَبِذلِكَ) أي القول أو الإخلاص (أُمِرْتُ) لا بشيء غيره (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) أو المنقادين إلى امتثال ما أمر الله تعالى به ، وقيل : المستسلمين لقضاء الله تعالى وقدره ، والمراد مسلمي أمته كما قيل ، وهذا شأن كل نبي بالنسبة إلى أمته ، وقيل : هذا إشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام «أول ما خلق الله تعالى نوري» (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) إنكار لبغية غيره تعالى ربا لا لبغية الرب ولهذا قدم المفعول ، وليس التقديم للاختصاص إذ المقصود أغير الله أطلب ربا وأجعله شريكا له ، وعلى تقدير الاختصاص لا يكون إشراكا للغير بل توحيد ، وقال بعض المحققين : لا يبعد أن يقال التقديم للاختصاص. وذكر في رد دعوته إلى الغير رد الاختصاص تنبيها على أن إشراك الغير بغية غير الله تعالى إذ لا بغية له سبحانه إلا بتوحيده عزوجل ، وما في النظم الكريم أبلغ من أغير الله أعبد ونحوه كما لا يخفى (وَهُوَ) سبحانه (رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) جملة حالية مؤكدة للإنكار أي والحال أن كل ما سواه مربوب فكيف يتصور أن يكون شريكا له (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) يروى أنهم كانوا يقولون للمسلمين : «اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم» فرد عليهم بما ذكر أي إن ما كسبته كل نفس من الخطايا محمول عليها لا على غيرها حتى يصح قولكم ، وعلى هذا يكون قوله سبحانه : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) أي نفس آثمة (وِزْرَ أُخْرى) تأكيدا لما قبله ، وقيل : إن قولهم ذلك يحتمل معنيين : الأول ، اتبعوا سبيلنا وليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم. والثاني اتبعوا لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا.
وقوله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ) إلخ رد له بالمعنى الأول ، وقوله سبحانه : (وَلا تَزِرُ) إلخ رد له بالمعنى الثاني ، وقيل : إن جواب قولهم هو الثاني ، وأن الأول من جملة الجواب عن دعواهم إلى عبادة آلهتهم يعني لو أجبتكم إلى ما دعوتموني إليه لم أكن معذورا بأنكم سبقتموني إليه وقد فعلته متابعة لكم ومطاوعة فلا يفيدني ذلك شيئا ولا ينجيني من الله تعالى لأن كسب كل أحد وعمله عائد عليه ، ورجحه بعضهم على الأول بأن التأسيس خير من التأكيد (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ) تلوين للخطاب وتوجيه له إلى الكل لتأكيد الوعد وتشديد الوعيد أي إلى مالك أمركم رجوعكم يوم القيامة (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) ببيان الرشد من الغي وتمييز الحي من اللي.
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) أي يخلف بعضكم بعضا كلما مضى قرن جاء قرن حتى تقوم الساعة