ومن الناس من زعم أن المراد من الاثنين في الضأن والمعز والبقر الأهلي والوحشي وفي الإبل العربي والبختي وهو مما لا ينبغي أن يلتفت إليه. وما روي عن ليث بن سليم لا يدل عليه ، وقول الطبرسي : إنه المروي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه كذب لا أصل له وهو شنشنة أعرفها من أخزم ، وقوله سبحانه : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) تكرير للإفحام والتبكيت ، وأم منقطعة ، والمراد بل أكنتم حاضرين مشاهدين (إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ) أي أمركم وألزمكم (بِهذا) التحريم إذ العلم بذلك إما بأن يبعث سبحانه رسولا بخبركم به وإما بأن تشاهدوا الله تعالى وتسمعوا كلامه جل شأنه فيه. والأول مناف لما أنتم عليه لأنكم لا تؤمنون برسول فيتعين المشاهدة والسماع بالنسبة إليكم وذلك محال ففي هذا ما لا يخفى من التهكم بهم.
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه سبحانه تحريم ما لم يحرم ، والمراد به ـ على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ـ عمرو بن لحي بن قمئة الذي بحر البحائر وسيب السوائب وتعمد الكذب على الله تعالى ، وقيل : كبراؤهم المقررون لذلك ، وقيل : الكل لاشتراكهم في الافتراء عليه سبحانه وتعالى ، والمراد فأي فريق أظلم ممن إلخ ، واعترض بأن قيد التعمد معتبر في معنى الافتراء. ومن تابع عمرا من الكبراء يحتمل أنه أخطأ في تقليده فلا يكون متعمدا للكذب فلا ينبغي تفسير الموصول به ، والفاء لترتيب ما بعد على ما سبق من تبكيتهم وإظهار كذبهم وافترائهم ، ونصب (كَذِباً) قيل على المفعولية ، وقيل : على المصدرية من غير لفظ الفعل ، وجعله حالا أي كاذبا جوزه بعض كمل المتأخرين وهو بعيد لا خطأ خلافا لمن زعمه.
(لِيُضِلَّ النَّاسَ) متعلق بالافتراء (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلق بمحذوف وقع حالا من ضمير (افْتَرى) أي افترى عليه سبحانه جاهلا بصدور التحريم عنه جل شأنه ، وإنما وصف بعدم العلم مع أن المفتري عالم بعدم الصدور إيذانا بخروجه في الظلم عن الحدود والنهايات فإن من افترى عليه سبحانه بغير علم بصدور ذلك عنه جل جلاله مع احتمال صدوره إذا كان في تلك الغاية من الظلم فما الظن بمن افترى وهو يعلم عدم الصدور.
وجوز كونه حالا من فاعل يضل على معنى متلبسا بغير علم بما يؤدي به إليه من العذاب العظيم. وقيل : معنى الآية عليه أنه عمل عمل القاصد إضلال الناس من أجل دعائهم إلى ما فيه الضلال وإن لم يقصد الإضلال وكان جاهلا بذلك غير عالم به ، وهو ظاهر في أن اللام للعاقبة وله وجه. وجوز أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع حالا من (النَّاسَ) وما تقدم أظهر وأبلغ في الذم. واستدل القاضي بالآية على أن الإضلال عن الدين مذموم لا يليق بالله تعالى لأنه سبحانه إذا ذم الإضلال الذي ليس فيه إلا تحريم المباح فالذي هو أعظم منه أولى بالذم ، وفيه أنه ليس كل ما كان مذموما من الخلق كان مذموما من الخالق.
(إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إلى طريق الحق ، وقيل : إلى دار الثواب لاستحقاقهم العقاب واختاره الطبرسي ، وإلى نحوه ذهب القاضي بناء على مذهبه وليس بالبعيد على أصولنا أيضا. وقيل : إلى ما فيه صلاحهم عاجلا وآجلا وهو أتم فائدة وأنسب بحذف المعمول ، ونفي الهداية عن الظالم يستدعي نفيها عن الأظلم من باب أولى (قُلْ) أمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم وبيان أن ما يتقولونه في أمر التحريم افتراء بحت بأن يبين لهم ما حرم عليهم.
وقوله سبحانه : (لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) إلخ كناية عن عدم الوجود ، وفيه إيذان بأن طريق التحريم ليس إلا التنصيص من الله تعالى دون التشهي والهوى ، وتنبيه ـ كما قيل ـ على أن الأصل في الأشياء الحل ، و