بإسبال حجب جلاله (وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) بإشراق سبحات جماله (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) من المرض وسائر أنواع الشدائد (أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) الصغرى أو الكبرى (أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ) لكشف ما ينالكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) لكشف ذلك. قال بعض العارفين مرجع الخواص إلى الحق جل شأنه من أول البداية ومرجع العوام إليه سبحانه بعد اليأس من الخلق وكان هذا في وقت هذا العارف. وأما في وقتنا فنرى العامة إذا ضاق بهم الخناق تركوا دعاء الملك الخلاق ودعوا سكان الثرى ومن لا يسمع ولا يرى. (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) أي ليطيعوا ويبرزوا من الحجاب وينقادوا متضرعين عند تجلي صفة القهر (وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ) أي ما تضرعوا لقساوة قلوبهم بكثافة الحجاب وغلبة غشي الهوى وحب الدنيا وأصل كل ذلك سوء الاستعداد (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ) فلم تسمعوا خطابه (وَأَبْصارَكُمْ) فلم تشاهدوا عجائب قدرته وأسرار صنعته (وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) فلم يدخلها شيء من معرفته سبحانه (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) أي هل يقدر أحد سواه جلت قدرته على فتح باب من هذه الأبواب كلا بل هو القادر الفعال لما يريد (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي) أي من حيث أنا (خَزائِنُ اللهِ) أي مقدوراته (وَلا أَعْلَمُ) أي من حيث أنا أيضا (الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) أي روح مجرد لا أحتاج إلى طعام ولا شراب (إِنْ أَتَّبِعُ) أي من تلك الحيثية (إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) من الله تعالى. وله صلىاللهعليهوسلم مقام (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى). و (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) [الأنفال : ١٧] وليس لطير العقل طيران في ذلك الجو (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى) عن نور الله تعالى وإحاطته بكل ذرة من العرش إلى الثرى وظهوره بما شاء حسب الحكمة وعدم تقيده سبحانه بشيء من المظاهر (وَالْبَصِيرُ) بذلك فيتكلم في كل مقام بمقال (وَلا تَطْرُدِ) أي لأجل التربية والتهذيب والامتحان (الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) الذي أوصلهم حيث أوصلهم من معارج الكمال (بِالْغَداةِ) أي وقت تجلي الجمال (وَالْعَشِيِ) أي وقت تجلي العظمة والجلال (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي يريدونه سبحانه بذاته وصفاته ويطلبون تجليه عزوجل لقلوبهم (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ) أي حساب أعمالهم القلبية من شيء لأن الله تعالى قد تولى حفظ قلوبهم وأمطر عليها سحائب عنايته فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ، وقول تعالى : (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) عطف على سابقه أتى به للمبالغة على ما مر في العبارة. ويحتمل أن يراد لا تطرد السالكين لأجل المحجوبين فما عليك من حساب السالكين أو المحجوبين شيء ومعنى ذلك يعرف بأدنى التفات (فَتَطْرُدَهُمْ) عن الجلوس معك (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) لهم بنقص حقوقهم وعدم القيام برعاية شأنهم. ومن المؤولين من قال : إن الآية في أهل الوحدة أي لا تزجر الواصلين الكاملين ولا تنذرهم فإن الإنذار كما لا ينجع في الذين قست قلوبهم لا ينجع في الذين طاشوا وتلاشوا في الله تعالى وهم الذين يخصونه سبحانه بالعبادة دائما بحضور القلب وعدم مشاهدة شيء سواه حتى ذواتهم (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ) فيما يعملون (مِنْ شَيْءٍ) إذ لا واسطة بينهم وبين ربهم (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي لا يخوضون في أمور دعوتك بنصر وإعانة لاشتغالهم به سبحانه عمن سواه ودوام حضورهم معه (فَتَطْرُدَهُمْ) عما هم عليه من دوام الحضور بدعوتك لهم لشغل ديني (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) لتشويشك عليهم أوقاتهم. والله تعالى أعلم بحقيقة كلامه (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ) أي الناس وهم المحجوبون (بِبَعْضٍ) وهم العارفون (لِيَقُولُوا) أي المحجوبون مشيرين إلى العارفين مستحقرين لهم حيث لم يروا منهم سوى حالهم في الظاهر وفقرهم ولم يروا قدرهم ومرتبتهم وحسن حالهم في الباطن وغرهم ما هم فيه من المال والجاه والتنعم وخفض العيش (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ) بالهداية والمعرفة (مِنْ بَيْنِنا) أرادوا أنه سبحانه لم يمن عليهم (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي الذين يشكرونه حق شكره فيمن عليهم بعظيم جوده.