للإيذاء وهو مبني على احتمال الاستئناف ، والالتفات إلى نون العظمة للإشارة إلى الاعتناء بشأن النصر.
(وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) تقرير لمضمون ما قبله من إتيان نصره سبحانه إياهم ، والمراد بكلماته تعالى ـ كما قال الكلبي ـ وقتادة ـ الآيات التي وعد فيها نصر أنبيائه عليهم الصلاة والسلام الدالة على نصر النبي صلىاللهعليهوسلم أيضا كقوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة : ٢١] وقوله عزّ شأنه : (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧٢].
وجوز أن يراد بها جميع كلماته سبحانه التي من جملتها الآيات المتضمنة للمواعيد الكريمة ويدخل فيها المواعيد الواردة في حقه صلىاللهعليهوسلم دخولا أوليا ، والالتفات إلى الاسم الجليل ـ كما قيل ـ للإشعار بعلة الحكم فإن الألوهية من موجبات أن لا يغالبه سبحانه أحد في فعل من الأفعال ولا يقع منه جل شأنه خلف في قول من الأقوال ، وظاهر الآية أن أحدا غيره تعالى لا يستطيع أن يبدل كلمات الله عزوجل بمعنى أن يفعل خلاف ما دلت عليه ويحول بين الله عز اسمه وبين تحقيق ذلك وأما أنه تعالى لا يبدل فلا تدل عليه الآية ، والذي دلت عليه النصوص أنه سبحانه ربما يبدل الوعيد ولا يبدل الوعد (وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) تقرير أي تقرير لما منحوا من النصر وتأكيد لما أشعر به الكلام من الوعد لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أو تقرير لجميع ما ذكر من تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام وإيذائهم ونصرهم ، والنبأ كالقصص لفظا ومعنى.
وفي القاموس النبأ محركة الخبر جمعه أنباء وقيده بعضهم ، وقد مرت الإشارة إليه بما له شأن ، وهو عند الأخفش المجوز زيادة من في الإثبات وقبل المعرفة مخالفا في ذلك لسيبويه فاعل «جاء» ، وصحح أن الفاعل ضمير مستتر تقديره هو أي النبأ أو البيان ، والجار متعلق بمحذوف وقع حالا منه ، وقيل : وإليه يشير كلام الرماني ـ أنه محذوف والجار والمجرور صفته أي ولقد جاءك نبأ كائن من نبأ المرسلين ، وفيه أن الفاعل لا يجوز حذفه هنا ، وقال أبو حيان : الذي يظهر لي أن الفاعل ضمير عائد على ما دل عليه المعنى من الجملة السابقة أي ولقد جاءك هذا الخبر من التكذيب وما يتبعه.
وقيل ـ وربما يشعر به كلام الكشاف ـ : أن من هي الفاعل ، والمراد بعض أنبائهم (وَإِنْ كانَ كَبُرَ) أي شق وعظم وأتى بكان ـ على ما قيل ـ ليبقى الشرط على المضي ولا ينقلب مستقبلا لأن (كانَ) لقوة دلالته على المضي لا تقلبه إن للاستقبال بخلاف سائر الأفعال ، وهو مذهب المبرد ، والنحويون يؤولون ذلك بنحو وإن تبين وظهر أنه كبر (عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ) أي الكفار عن الإيمان بك وبما جئت به من القرآن المجيد حسبما يفصح عنه قولهم فيه (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وينبئ عنه فعلهم من النأي والنهي ، ولعل التعبير بالإعراض دون التكذيب مع أن التسلية على ما ينبئ عنه قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) كانت عنه لتهويل أمر التكذيب وهو فاعل (كَبُرَ) ، وتقديم الجار والمجرور لما مر مرارا. والجملة خبر (كانَ) مفسرة لاسمها الذي هو ضمير الشأن. ولا حاجة إلى تقدير قد ، وقيل : اسم كان (إِعْراضُهُمْ) ، و (كَبُرَ) مع فاعله المستتر الراجع إلى الاسم خبر لها مقدم على اسمها ، والكلام استئناف مسوق لتأكيد إيجاب الصبر المستفاد من التسلية ببيان أن ذلك أمر لا محيد عنه أصلا.
وفي بعض الآثار أن الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في محضر من قريش فقالوا : يا محمد ائتنا بآية من عند الله تعالى كما كانت الأنبياء تفعل وإنا نصدقك فأبى الله تعالى أن يأتيهم بآية مما اقترحوا فأعرضوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فشق ذلك عليه عليه الصلاة والسلام لما أنه كان صلىاللهعليهوسلم شديد الحرص على إيمان قومه فكان إذا سألوه آية يود أن ينزلها الله تعالى طمعا في إيمانهم فنزلت (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) أي إن قدرت وتهيأ لك (أَنْ