مجازا جائزا مع البيان النبويّ ، لكن بدون قرينة في الكلام بعيد جدا ، وإن لم يقصد به ذلك فلا يكون المنع من الترك مطلوبا به ، وهو مع كونه خلاف الظاهر من كون الأمر للوجوب لا يناسب حمل بقية الأوامر على الوجوب ، كما لا يخفى.
وينافي سياق الآية ، فإنّ الظاهر كما يدلّ عليه عجز الآية أنّه مسوق لأمر عظيم ولذلك لم يذكر فيها إلّا ما هو واجب في الوضوء ، وبالجملة لا ريب في كون الأمر هنا للوجوب ، وأنّه مخصوص بالمحدثين ففي الآية دلالة على وجوب الوضوء بل الطهارة مطلقا للصلاة ، وأنّه شرط فيها ، لأنه مأمور بالطهارة قبل الصلاة ، والأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، وقد يفهمه العرف أيضا فكأنّه قال لا تصلّوا إلّا بطهارة.
فإن قلنا : الصلاة على إطلاقها فيلزم من أشراطها فيها استحبابها للمستحبّة منها ، ووجوبها للواجبة منها ، ولكن لمّا كان الأمر مشروطا بإرادة منتهية إلى فعل الصلاة مع كونه للوجوب ، وجب أن يجب للصلاة عند ذلك ، فيجب للصلاة الواجبة لهذا وللاشتراط ، وللصلاة المندوبة أيضا كما قيل عند ذلك ، فيعاقب على تركه أيضا يعاقب على فعلها بمقتضى الاشتراط ، وإنّما يستحبّ لها قبل ذلك فتأمل.
وقد يستدلّ بالاشتراط على وجوب قصد إيقاعه للصلاة مستشهدا بالعرف ، وفيه نظر ، ثمّ فيها دلالة على وجوب أمور في الوضوء :
الف ـ غسل الوجه ، وأنّه أوّل أفعال الوضوء ، فلا يجوز تأخير النيّة عنه ، ولا تقديمها مع عدم بقائها عنده إلّا بدليل ، ولا يدلّ على تعيين مبدء ولا على ترتيب بين أجزاء الوجه ، نعم نقل أنّ فعلهم عليهمالسلام كان من الأعلى إلى الأسفل (١) وهو المأنوس يسرا وعادة ، فهو الاحتياط ، لكن يكتفى بما يصدق ذلك معه عرفا ، ولا على وجوب
__________________
(١) فإنك ترى في كثير من أحاديث الوضوء البيانية «فأسدله على وجهه من أعلى الوجه» كما في الحديث ٦ و ١٠ من الباب ١٥ من الوضوء من الوسائل المسلسل في ط الإسلامية ١٠٢٥ و ١٠٢٩ وفي بعض الاخبار الأمر بالغسل من الأعلى كما في الرقم ٢٢ من الباب المسلسل ١٠٤١ وان كان التعبير في هذا الحديث بالمسح ، الا أن المراد به الغسل قطعا.