ظلمهم قد بلغ الغاية وليس مبلغ ظلم المؤمنين وغيرهم مبلغ ظلم الكافرين.
ونظيره فلان هو الفقيه ، وفلان هو الفاضل ، ويراد به تقديمه على غيره فيما أضيف إليه ، فكأنّه قيل الكافرون هم الكاملون في الظلم ، بالغين الغاية فيه ، فإياكم أن تتشبّهوا بهم وتعملوا مثل عملهم وأنتم مؤمنون بالله واليوم الآخر ، فافهم.
أو باعتبار أنّ الله لا يظلمهم يوم القيمة بل هم الظالمون أنفسهم فكأنه لما نفى البيع والخلّة والشفاعة وأخبر أنه قد حرم الكافر هذه الأمور ، مع ما هو معلوم من الدين ضرورة من شدّة عذابه وأليم عقابه في ذلك اليوم ، قال ليس ذلك بظلم منّا بل الكافرون هم الظالمون أنفسهم بعمل ما استحقّوا ذلك به ، فكذلك إذا استحققتم شيئا من العذاب أو حرمان شيء من الثواب يكون من قبل أنفسكم ، وعلى هذا يحتمل حمل الإنفاق على ما يعمّ الفرض والنفل ، حملا للأمر على مطلق الرجحان.
ومنها في البقرة [٢٦١] (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) الجهاد أو مطلق وجوه البرّ (كَمَثَلِ) زارع (حَبَّةٍ) أو المراد مثل نفقة الّذين ينفقون كمثل حبّة (أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) يعنى أن النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) أى يزيد على سبعمائة فيضاعفها وقيل يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء (وَاللهُ واسِعٌ) المقدرة والرحمة لا يضيق عليه ما شاء من الزيادة ، ولا يضيق عن المضاعفة أصلا ، فكيف إذا وعد عليم بكلّ شيء فيعلم ما كان من نفقة ونيّة المنفق وقصده واستحقاقه الزيادة وعدمه.
واعلم أنّ الحسنة في قوله سبحانه (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) أعمّ من الإنفاق ، فلا مانع أن يكون العشر لازما ولو باعتبار الوعد في جميع الحسنات ، ويزيد إلى سبعمائة في الإنفاق في سبيل الله مطلقا ، وإلى أزيد في مواضع منه أو غيره ، روى عن ابن عمر أنّه قال : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلىاللهعليهوآله ربّ زد أمتي ، فنزل قوله (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) فقال ربّ زد أمتي فنزل (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ).