جبرئيل إنّما أنا عبد مثلك وأنت كريم على ربّك فأسأل فإنك عند الله عزوجل بمكان فعرج جبرئيل ، وجعل رسول الله يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبرئيل لما يحبّ من أمر القبلة.
فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر ، وقد صلّى منها ركعتين ، فنزل جبرئيل وأخذ بعضديه وحوّله إلى الكعبة ، وأنزل عليه (قَدْ نَرى) فصلّى الركعتين الأخيرتين إلى الكعبة.
فلا ريب في أن «قد» على أصله من التوقّع والتحقيق ، إنّما الكلام في أنّه هل بمجرّد ذلك من غير اعتبار تقليل ولا تكثير كما قاله الرضى أو قد أستعير بمناسبة التضادّ لاقتضاء المقام ، واستدعاء السياق كقوله «قد أترك القرن مصفرّا أنامله» كما ذهب إليه الكشاف (١) أو على أصله من التقليل في المضارع لقلّة وقوع المرئي من تقلب وجهه عليهالسلام كما في الكنز ، وربما احتمل كونه على أصله ويستفاد التكثير كما في البيت أيضا على نحو ما ذكره الكشاف في (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) مع احتمال كلامه هنا أيضا فتأمل.
والرؤية منه تعالى علمه سبحانه بالمرئىّ ، وليس بآلة كما في حقّنا ، قيل : وقد يأتي لفظ المضارع للماضي كما قال (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ) أي قتلتم ، فلا يبعد أن يكون نرى كذلك هو ظاهر ما تلونا في سبب النزول.
ويمكن أن يقال إنما أتى بلفظ المضارع لأنه استجاب له حين توجّهه إلى السماء ، فلا يتوهّم من تأخير النزول تأخير الاستجابة ، بل ذلك لمصلحة.
(تَقَلُّبَ وَجْهِكَ) أي تردّد وجهك ، وتصرف نظرك في جهة السماء فتقدر جهة مضافا أو يراد بالسماء جهتها ، أو يقال التجوّز في النسبة ، ويحتمل كون في بمعنى إلى باعتبار تضمين النظر كما لا يخفى ، وإلّا فالظاهر أنه لا يكفى ، وفيه نوع تأمل.
(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً) فلنعطينّك ، ولنمكّننّك من استقبالها من قولك ولّيته
__________________
(١) الكشاف ج ١ ص ٢٠٢ وفيه البيت وهو للهذلى وقيل لعبيد بن الأبرص واصفرار الأنامل كناية عن الموت.