وروى ضمرة بإسناده عن أبي هريرة قال : لما أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم يد علي كرم الله تعالى وجهه قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فأنزل الله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] ثم قال أبو هريرة : وهو يوم غدير خم ، ومن صام يوم ثماني عشرة من ذي الحجة كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا ، وهو حديث منكر جدا ، ونص في البداية والنهاية على أنه موضوع ، وقد اعتنى بحديث الغدير أبو جعفر بن جرير الطبري فجمع فيه مجلدين أورد فيهما سائر طرقه وألفاظه ، وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم على ما جرت به عادة كثير من المحدثين ، فإنهم يوردون ما وقع لهم في الباب من غير تمييز بين صحيح وضعيف ، وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم ابن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة ، والمعول عليه فيها ما أشرنا إليه ، ونحوه مما ليس فيه خبر الاستخلاف كما يزعمه الشيعة ، وعن الذهبي أن من كنت مولاه فعلي مولاه متواتر يتيقن أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قاله ، وأما اللهم وال من والاه ، فزيادة قوية الإسناد ، وأما صيام ثماني عشرة ذي الحجة فليس بصحيح ـ ولا والله نزلت تلك الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام.
والشيخان لم يرويا خبر الغدير في صحيحهما لعدم وجدانهما له على شرطهما ، وزعمت الشيعة أن ذلك لقصور وعصبية فيهما وحاشاهما من ذلك ، ووجه استدلال الشيعة بخبر ـ من كنت مولاه فعلي مولاه ـ أن المولى بمعنى الأولى بالتصرف ، وأولوية التصرف عين الإمامة ، ولا يخفى أن أول الغلط في هذا الاستدلال جعلهم المولى بمعنى الأولى ، وقد أنكر ذلك أهل العربية قاطبة بل قالوا : لم يجىء مفعل بمعنى أفعل أصلا ، ولم يجوز ذلك إلا أبو زيد اللغوي متمسكا بقول أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى : (هِيَ مَوْلاكُمْ) [الحديد : ١٥] أي أولى بكم.
وردّ بأنه يلزم عليه صحة فلان مولى من فلان كما يصح فلان أولى من فلان ، واللازم باطل إجماعا فالملزوم مثله ، وتفسير أبي عبيدة بيان لحاصل المعنى ، يعني النار مقركم ومصيركم. والموضع اللائق بكم ، وليس نصا في أن لفظ المولى ثمة بمعنى الأولى ، والثاني أنا لو سلمنا أن المولى بمعنى الأولى لا يلزم أن يكون صلته بالتصرف ، بل يحتمل أن يكون المراد أولى بالمحبة وأولى بالتعظيم ونحو ذلك ، وكم قد جاء الأولى في كلام لا يصح معه تقدير التصرف كقوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [آل عمران : ٦٨] على أن لنا قرينتين على أن المراد من الولاية من لفظ المولى أو الأولى : المحبة ، إحداهما ما رويناه عن محمد بن إسحاق في شكوى الذين كانوا مع الأمير كرم الله تعالى وجهه في اليمن ـ كبريدة الأسلمي وخالد بن الوليد وغيرهما ـ ولم يمنع صلىاللهعليهوسلم الشاكين بخصوصهم مبالغة في طلب موالاته وتلطفا في الدعوة إليها كما هو الغالب في شأنه صلىاللهعليهوسلم في مثل ذلك ، وللتلطف المذكور افتتح الخطبة صلىاللهعليهوسلم بقوله : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وثانيهما قوله عليه الصلاة والسلام على ما في بعض الروايات : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، فإنه لو كان المراد من المولى المتصرف في الأمور أو الأولى بالتصرف لقال عليه الصلاة والسلام : اللهم وال من كان في تصرفه وعاد من لم يكن كذلك ، فحيث ذكر صلىاللهعليهوسلم المحبة والعداوة فقد نبه على أن المقصود إيجاب محبته كرم الله تعالى وجهه والتحذير عن عداوته وبغضه لا التصرف وعدمه ، ولو كان المراد الخلافة لصرح صلىاللهعليهوسلم بها.
ويدل لذلك ما رواه أبو نعيم عن الحسن المثنى بن الحسن السبط رضي الله تعالى عنهما أنهم سألوه عن هذا الخبر ، هل هو نص على خلافة الأمير كرم الله تعالى وجهه؟ فقال : لو كان النبي صلىاللهعليهوسلم أراد خلافته لقال : أيها الناس هذا ولي أمري والقائم عليكم بعدي فاسمعوا وأطيعوا ، ثم قال الحسن : أقسم بالله سبحانه أن الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم لو آثر عليا لأجل هذا الأمر ـ ولم يقدم علي كرم الله تعالى وجهه عليه ـ لكان أعظم الناس خطأ ، وأيضا ربما يستدل على أن المراد بالولاية المحبة بأنه لم يقع التقييد بلفظ بعدي ، والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في زمان واحد ، ولا يتصور