قائلا يقول : ما ذا قال المؤمنون بعد كلامهم ذلك؟ فقيل : قالوا : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) إلخ ، والجملة إما إخبارية ، وشهادة المؤمنين بمضمونها على تقدير أن يكون المراد به خسران دنيوي وذهاب الأعمال بلا نفع يترتب عليها هو ما أملوه من دولة اليهود مما لا إشكال فيه ، وعلى تقدير أن يكون المراد أمرا أخرويا فيحتمل أن يكون باعتبار ما يظهر من حال المنافقين في ارتكاب ما ارتكبوا ، وأن تكون باعتبار إخبار النبي صلىاللهعليهوسلم بذلك ، وإما جملة دعائية ولا ضير في الدعاء بمثل ذلك على ما مرت الإشارة إليه ، وأشعر كلام البعض أن في الجملة معنى التعجب مطلقا سواء كانت من جملة المقول ، أو من قول الله تعالى ، ولعله غير بعيد عند من يتدبر.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) شروع في بيان حال المرتدين على الإطلاق بعد أن نهى سبحانه فيما سلف عن موالاة اليهود والنصارى ، وبين أن موالاتهم مستدعية للارتداد عن الدين ، وفصل مصير من يواليهم من المنافقين قيل : وهذا من الكائنات التي أخبر عنها القرآن قبل وقوعها ، فقد روي أنه ارتد عن الإسلام إحدى عشرة فرقة ، ثلاث في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنو مدلج ورئيسهم ذو الخمار ـ وهو الأسود العنسي ـ كان كاهنا تنبأ باليمن واستولى على بلاده فأخرج منها عمال النبي صلىاللهعليهوسلم ، فكتب عليه الصلاة والسلام إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن ، فأهلكه الله تعالى على يدي فيروز الديلمي بيته فقتله ، وأخبر رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بقتله ليلة قتل فسر به المسلمون وقبض عليه الصلاة والسلام من الغد ، وأتى خبره في شهر ربيع الأول ، وبنو حنيفة قوم مسيلمة الكذاب ابن حبيب تنبأ وكتب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم سلام عليك ، أما بعد : فإني قد أشركت في الأمر معك وإن لنا نصف الأرض ، ولكن قريشا قوم يعتدون ، فقدم عليه عليه الصلاة والسلام رسولان له بذلك فحين قرأ صلىاللهعليهوسلم كتابه ، قال لهما : فما تقولان أنتما؟ قال : نقول كما قال ، فقال صلىاللهعليهوسلم : أما والله لو لا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ، ثم كتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى ، أما بعد : فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، وكان ذلك في سنة عشر فحاربه أبو بكر رضي الله تعالى عنه بجنود المسلمين وقتل على يدي وحشي قاتل حمزة رضي الله تعالى عنهما وكان يقول : قتلت في جاهليتي خير الناس وفي إسلامي شر الناس ، وقيل : اشترك في قتله هو وعبد الله بن زيد الأنصاري طعنه وحشي وضربه عبد الله بسيفه ، وهو القائل :
يسائلني الناس عن قتله |
|
فقلت : ضربت ، وهذا طعن |
في أبيات ، وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد تنبأ فبعث أبو بكر رضي الله تعالى عنه خالد بن الوليد فانهزم بعد القتال إلى الشام ، فأسلم وحسن إسلامه ، وارتدت سبع في عهد أبي بكر رضي الله تعالى عنه ، فزارة قوم عيينة بن حصين ، وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري ، وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل ، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة ، وبعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر الكاهنة تنبأت وزوجت نفسها من مسيلمة في قصة شهيرة ، وصح أنها أسلمت بعد وحسن إسلامها ، وكندة قوم الأشعث بن قيس ، وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد ، وكفى الله تعالى أمرهم على يدي أبي بكر رضي الله تعالى عنه وفرقة واحدة في عهد عمر رضي الله تعالى عنه ـ وهم غسان ـ قوم جبلة ابن الأيهم تنصر ولحق بالشام ومات على ردته ، وقيل : إنه أسلم ، ويروى أن عمر رضي الله تعالى عنه كتب إلى أحبار الشام لما لحق بهم كتابا فيه : إن جبلة ورد إلي في سراة قومه فأسلم فأكرمته ثم سار إلى مكة فطاف فوطئ إزاره رجل من بني فزارة فلطمه جبلة فهشم أنفه وكسر ثناياه ، وفي رواية قلع عينه فاستعدى الفزاري على جبلة إليّ ، فحكمت إما بالعفو وإما بالقصاص ، فقال : أتقتص مني وأنا ملك ، وهو سوقة؟! فقلت : شملك وإياه الإسلام فما تفضله