وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقيل : مشركو قريش (وقيل : وقيل :) ولعل من ادعى العموم ـ وهو الظاهر ـ قال بدخول المذكورين دخولا أوليا ، والمراد من الإغناء الدفع ، ويقال : أغنى عنه إذا دفع عنه ضررا لولاه لنزل به أي لن تدفع عنهم يوم القيامة أموالهم التي عولوا عليها في المهمات ولا من هو أرجى من ذلك وأعظم عندهم وهم أولادهم من عذاب الله تعالى لهم شيئا يسيرا منه ، وقال بعضهم : المراد بالاغناء الإجزاء ، ويقال : ما يغنى عنك هذا أي ما يجزي عنك وما ينفعك ، و (مِنَ) للبدل أو الابتداء ، و (شَيْئاً) مفعول مطلق أي لن يجزي عنهم ذلك من عذاب الله تعالى شيئا من الإجزاء ، وعلى التفسير الأول للإغناء وجعل هذا معنى حقيقيا له دونه يقال بالتضمين وأمر المفعولية عليه ظاهر لتعديه حينئذ (وَأُولئِكَ) أي الموصوفون بالكفر بسبب كفرهم (أَصْحابُ النَّارِ) أي ملازموها وهو معنى الأصحاب عرفا.
(هُمْ فِيها خالِدُونَ) تأكيد لما يراد من الجملة الأولى واختيار الجملة الاسمية للإيذان بالدوام والاستمرار وتقديم الظرف محافظة على رءوس الآي (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا) كالدليل لعدم إغناء الأموال ، ولعل عدم بيان إغناء الأولاد ظاهر لأنهم إن كانوا كفارا ـ وهو الظاهر ـ كان حكمهم حكمهم وإن كانوا مسلمين كانوا عليهم لا لهم في الدنيا ، وبغضهم لهم في الآخرة (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) [الطارق : ٩](يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢] وتبريهم منهم حين يفر المرء من أمه وأبيه أظهر من أن يخفى ، و (ما) موصولة والعائد محذوف أي ينفقونه والإشارة للتحقير ، والمراد تمثيل جميع صدقات الكفار ونفقاتهم كيف كانت ـ وهو المروي عن مجاهد ـ وقيل : مثل لما ينفقه الكفار مطلقا في عداوة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، وقيل : لما أنفقته قريش يوم بدر وأحد لما تظاهروا عليه الصلاة والسلام ، وقيل : لما أنفقه سفلة اليهود على علمائهم المحرفين أي حال ذلك وقصته العجيبة (كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ) أي برد شديد قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وجماعة ، وقال الزجاج ـ الصر ـ صوت لهيب النار وقد كانت في تلك الريح ، وقيل : أصل الصر كالصرصر الريح الباردة ، وعليه يكون معنى النظم ريح فيها ريح باردة وهو كما ترى محتاج إلى التوجيه ، وقد ذكر فيه أنه وارد على التجريد كقوله :
ولو لا ذاك قد سوّمت مهري |
|
وفي الرحمن للضعفاء كاف |
أي هو كاف ومنع بعضهم كونه في الأصل الريح الباردة وإنما هو مصدر بمعنى البرد كما قال الحبر واستعماله فيما ذكر مجاز وليس بمراد ، وقيل : إنه صفة بمعنى بارد إلا أن موصوفه محذوف أي برد بارد فهو من الإسناد المجازي كظل ظليل ـ وفيه بعد ـ لأن المعروف في مثله ذكر الموصوف وأما حذفه وتقديره فلم يعهد ، وقيل : هو في الأصل صوت الريح الباردة من صر القلم والباب صريرا إذا صوت ، أو من الصرة الضجة والصيحة وقد استعمل هنا على أصله ، وفيه أن هذا المعنى مما لم يعهد في الاستعمال ، والريح واحدة الرياح ، وفي الصحاح والأرياح ، وقد تجمع على أرواح لأن أصلها الواو ، وإنما جاءت بالياء لانكسار ما قبلها فإذا رجعوا إلى الفتح عادت إلى الواو كقولك : أروح الماء وتروحت بالمروحة ، ويقال أيضا : ريح وريحة كما قالوا : دار ودارة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى للعلماء من الكلام في هذا المقام ، وأفرد الريح لما في البحر أنها مختصة بالعذاب والجمع مختص بالرحمة ولذلك روى اللهم ـ اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا (أَصابَتْ حَرْثَ) أي زرع.
(قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر والمعاصي فباؤوا بغضب من الله تعالى وإنما وصفوا بذلك لما قيل : إن الإهلاك عن سخط أشد وأفظع أو لأن المراد الإشارة إلى عدم الفائدة في الدنيا والآخرة وهو إنما يكون في هلاك مال الكافر وأما