يصرحوا به ، ومن الناس من استحسن أن يجعل من باب ما يكون المراد بالفعل نفس وقوعه لا التلبس بالفاعل فكان معناه فلما حصل له التبين (قالَ أَعْلَمُ) إلخ ، ويساعده قراءة ابن عباس رضي الله عنهما (فَلَمَّا تَبَيَّنَلَهُ) على البناء للمفعول ، وإيثار صيغة المضارع للدلالة على أن علمه بذلك مستمر نظرا إلى أن أصله لم يتغير بل إنما تبدل بالعيان وصفه ، وفيه إشعار بأنه إنما قال ما قال بناء على الاستبعاد العادي واستعظاما للأمر ، وقرأ ابن مسعود ـ قيل أعلم ـ على وجه الأمر ، وأخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ (قالَ أَعْلَمُ) ويقول : لم يكن بأفضل من إبراهيم عليهالسلام قال الله تعالى له : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ) [البقرة : ٢٦] وبذلك قرأ حمزة ، والكسائي ، والآمر هو الله تعالى ، أو النبي ، أو الملك ، ويحتمل أن يكون المخاطب هو نفسه على سبيل التجريد مبكتا لها موبخا على ما اعتراها من ذلك الاستبعاد ، يروى أنه بعد هذا القول قام فركب حماره حتى أتى محلته فأنكره الناس وأنكرهم وأنكر منازلهم فانطلق على وهم منهم حتى أتى فإذا هو بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة له وكان قد خرج عزير وهي بنت عشرين سنة فقال لها : يا هذه أهذا منزل عزيز؟ قالت : نعم وبكت وقالت : ما رأيت أحدا منذ كذا وكذا سنة يذكر عزيزا وقد نسيه الناس قال : فإني أنا عزيز قالت : سبحان الله فإن عزيز قد فقدناه منذ مائة سنة فلم يسمع له بذكر قال : فإني عزيز كان الله تعالى أماتني مائة سنة ثم بعثني قالت : فإن عزيزا كان رجلا مستجاب الدعوة يدعو للمريض ولصاحب البلاء بالعافية والشفاء فادع الله تعالى أن يرد علي بصري حتى أراك فإن كنت عزيرا عرفتك فدعا ربه ومسح يده على عينيها فصحّتا وأخذ بيدها فقال : قومي بإذن الله تعالى فأطلق الله تعالى رجليها فقامت صحيحة كأنما نشطت من عقال فنظرت فقالت : أشهد أنك عزير فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وأنديتهم ومجالسهم ، وابن العزير شيخ ابن مائة سنة وثمان عشرة سنة وبنو بنيه شيوخ في المجلس فنادتهم فقالت : هذا عزير قد جاءكم فكذبوها فقالت : أنا فلانة مولاتكم دعا إلى ربه فرد عليّ بصري وأطلق رجلي ، وزعم أن الله تعالى كان أماته مائة سنة ثم بعثه فنهض الناس فأقبلوا عليه فنظروا إليه فقال ابنه : كانت لأبي شامة سوداء بين كتفيه فكشف عن كتفيه فإذا هو عزيز فقالت بنو إسرائيل : فإنه لم يكن فينا أحد حفظ التوراة فيما حدثنا غير عزير وقد حرق بختنصر التوراة ولم يبق منها شيء إلا ما حفظت الرجال فاكتبها لنا وكان أبوه قد دفن التوراة أيام بختنصر في موضع لم يعرفه غير عزير فانطلق بهم إلى ذلك الموضع فحفره فاستخرج التوراة وكان قد عفن الورق ودرس الكتاب فجلس في ظل شجرة وبنو إسرائيل حوله فنزل من السماء شهابان حتى دخلا جوفه فتذكر التوراة فجددها لبني إسرائيل ، وفي رواية أنه قرأها عليهم حين طلبوا منه ذلك عن ظهر قلب من غير أن يخرم منها حرفا فقال رجل من أولاد المسبيين مما ورد بيت المقدس بعد مهلك بختنصر : حدثني أبي عن جدي أنه دفن التوراة يوم سبينا في خابية في كرم فإن أريتموني كرم جدي أخرجتها لكم فذهبوا إلى كرم جده ففتشوها فوجدوها فعارضوها بما أملى عليهم عزيز عن ظهر قلب فما اختلفا في حرف واحد ـ فعند ذلك قالوا : عزيز ابن الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ومن باب الإشارة والتأويل في الآيات (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) لأنه في الحقيقة هو الهدى المستفاد من النور القلبي اللازم للفطرة وهو لا مدخل للإكراه فيه (قَدْ تَبَيَّنَ) ووضح (الرُّشْدُ) الذي هو طريق الوحدة وتميز (مِنَ الْغَيِ) الذي هو النظر إلى الأغيار (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) وهو ما سوى الله تعالى (وَيُؤْمِنْ بِاللهِ) إيمانا حقيقيا شهوديا (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) التي هي الوحدة الذاتية (لَا انْفِصامَ لَها) في نفسها لأنها الموافقة لما في نفس الأمر والممكنات والشئون داخلة في دائرتها غير منقطعة عنها (وَاللهُ سَمِيعٌ) يسمع قول كل ذي دين (عَلِيمٌ) بنيته (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) وليس وليّ سواه ولا ناصر ولا معين لهم غيره (يُخْرِجُهُمْ مِنَ) ظلمات ـ النفس وشبه