الحور وغيرهن ، ويقال : الزوج للذكر والأنثى ، ويكون لأحد المزدوجين ولهما معا ، ويقال : للأنثى زوجة في لغة تميم ، وكثير من قيس ، والمراد هنا بالأزواج النساء اللاتي تختص بالرجل لا يشركه فيها غيره ، وليس في المفهوم اعتبار التوالد الذي هو مدار بقاء النوع حتى لا يصح إطلاقه على أزواج الجنة لخلودهم فيها واستغنائهم عن الأولاد ، على أن بعضهم صحح التوالد فيها وروى آثارا في ذلك لكن على وجه يليق بذلك المقام ، وذكر بعضهم أن الأولاد روحانيون والله قادر على ما يشاء. ومعنى كونها (مُطَهَّرَةٌ) أن الله سبحانه نزههن عن كل ما يشينهن ، فإن كن من الحور كما روي عن عبد الله ـ فمعنى التطهر خلقهن على الطهارة لم يعلق بهن دنس ذاتي ولا خارجي ، وإن كن من بني آدم ـ كما روي عن الحسن ـ «من عجائزكم الرمص الغمص يصرن شواب» فالمراد إذهاب كل شين عنهن من العيوب الذاتية وغيرها. والتطهير ـ كما قال الراغب ـ يقال في الأجسام والأخلاق والأفعال جميعا ، فيكون عاما هنا بقرينة مقام المدح لا مطلقا منصرفا إلى الكامل ، وكمال التطهير إنما يحصل بالقسمين كما قيل : فإن المعهود من إرادة الكامل إرادة أعلى أفراده لا الجميع ، وقرأ زيد بن علي ـ مطهرات ـ بناء على طهرن لا طهرت ـ كما في الأولى ـ ولعلها أولى استعمالا ، وإن كان الكل فصيحا لأنهم قالوا : جمع ما لا يعقل إما أن يكون جمع قلة أو كثرة ، فإن كان جمع كثرة فمجيء الضمير على حد ضمير الواحدة أولى من مجيئه على حد ضمير الغائبات ، وإن كان جمع قلة فالعكس ، وكذلك إذا كان ضميرا عائدا على جمع العاقلات الأولى فيه النون دون التاء ك (فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) [البقرة : ٢٣٤ ، الطلاق : ٢] و (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) [البقرة : ٢٣٣] ولم يفرقوا في هذا بين جمع القلة والكثرة ، ومجيء هذه الصفة مبينة للمفعول ، ولم تأت طاهرة ـ وصف من طهر ـ بالفتح على الأفصح ، أو طهر بالضم ، وعلى الأول قياس ، وعلى الثاني شاذ للتفخيم لأنه أفهم أن لها مطهرا وليس سوى الله تعالى ، وكيف يصف الواصفون من طهره الرب سبحانه؟! وقرأ عبيد بن عمير «مطهرة» وأصله متطهرة فأدغم ولما ذكر سبحانه وتعالى مسكن المؤمنين ومطعمهم ومنكحهم ؛ وكانت هذه الملاذ لا تبلغ درجة الكمال مع خوف الزوال ولذلك قيل :
أشد الغم عندي في سرور |
|
تيقن عنه صاحبه انتقالا |
أعقب ذلك بما يزيل ما ينغص إنعامه من ذكر الخلود في دار الكرامة ، والخلود عند المعتزلة البقاء الدائم الذي لا ينقطع ، وعندنا البقاء الطويل انقطع أو لم ينقطع ، واستعماله في المكث الدائم من حيث إن مكث طويل لا من حيث خصوصه حقيقة وهو المراد هنا ، وقد شهدت له الآيات والسنن ، والجهمية يزعمون أن الجنة وأهلها يفنيان وكذا النار وأصحابها ، والذي دعاهم إلى هذا أنه تعالى وصف نفسه بأنه الأول والآخر ، والأولية تقدمه على جميع المخلوقات ، والآخرية تأخره ولا يكون إلا بفناء السوي ، ولو بقيت الجنة وأهلها كان فيه تشبيه لمن لا شبيه له سبحانه وهو محال ، ولأنه إن لم يعلم أنفاس أهل الجنة كان جاهلا تعالى عن ذلك ، وإن علم لزم الانتهاء وهو بعد الفناء ، ولنا النصوص الدالة على التأييد والعقل معها لأنها دار سلام وقدس لا خوف ولا حزن. والمرء لا يهنأ بعيش يخاف زواله بل قيل : البؤس خير من نعيم زائل ، والكفر جريمة خالصة فجزاؤها عقوبة خالصة لا يشوبها نقص ، ومعنى «الأول والآخر» ليس كما في الشاهد بل بمعنى لا ابتداء ولا انتهاء له في ذاته من غير استناد لغيره فهو الواجب القدم المستحيل العدم ، والخلق ليسوا كذلك ، فأين الشبه والعلم لا يتناهى فيتعلق بما لا يتناهى ، وما أنفاس أهل الجنة إلا كمراتب الأعداد؟! أفيقال : إن الله سبحانه لا يعلمها أو يقال إنها متناهية. تبا للجهمية ما أجهلهم ، وأجهل منهم من قال : إن الأبدان مؤلفة من الأجزاء المتضادة في الكيفية معرضة للاستحالات المؤدية إلى الانحلال والانفكاك فكيف يمكن التأبيد ، وذلك لأن مدار هذا على قياس هاتيك النشأة على هذه النشأة ، وهيهات هيهات كيف يقاس ذلك العالم الكامل على عالم