فقال شريك : ما جرمي بالذي أستحق به سفك الدم؟
فقال : يا ابن الفاعلة ، إني رأيت فيما يرى النائم كأنك تكلمني من قفاك (١) ، وتأويل هذه الرؤيا ؛ أنك تنظرني على خلاف (٢) ، وتضمر ضد ما تظهر.
فقال شريك : يا أمير المؤمنين إنّ رؤياك (٣) هذه ليست برؤيا يوسف الصديق ولا (٤) رؤيا الخليل إبراهيم عليهما (٥) السلام ، وإن دماء المسلمين لا تسفك بالأحلام. فأطرق المهدي ساعة ثم قال : اغرب إلى لعنة الله. فخرج شريك ولحقه سعيد بن سلم (٦) فقال له : أحسنت ، والله أنت ، فما بقي على ظهرها مثلك.
ولما حبس (٧) المهدي موسى بن جعفر رأى ليلة كأن عليا رضي الله عنه (٨) يقول : يا محمد : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) (٩).
قال الربيع : فاستدعاني ليلا ، فجئت ، فإذا هو يقرأ هذه الآية ، فعرّفني القصة. وقال : عليّ بموسى فجئته به فقام إليه ، وعانقه وأجلسه إلى جنبه وأخبره بالرؤيا ، ثم أخذ عليه موثقا ووصله بألف دينار ، وجهزه إلى أهله.
قال رجل لبعض المعبرين :
__________________
(١) في الأصل : (من تفاك).
(٢) في الأصل : (خلاق).
(٣) في الأصل : (أزرؤياك).
(٤) في الأصل : (لا).
(٥) في الأصل : (عليهم).
(٦) في الأصل : (سالم).
(٧) في مروج الذهب ٣ / ٣٥٦ عن عبد الله بن مالك الخزاعي الذي كان على دار الرشيد وشرطته ، قال : أتاني رسول الرشيد في وقت ما جاءني فيه قط ، فانتزعني من موضعي ، ومنعني من تغيير ثيابي فراعني ذلك ... ثم قال لي : أتدري لم طلبتك في هذا الوقت؟ قلت : لا ، والله يا أمير المؤمنين قال : إني رأيت الساعة في منامي كأن جيشا قد أتاني ومعه حربة فقال لي : إن لم تخل عن موسى بن جعفر الساعة وإلا نحرتك بهذه الحربة ، فاذهب فخلّ عني. فقلت : يا أمير المؤمنين أطلق موسى بن جعفر؟
قال : نعم ، امض الساعة حتى تطلق موسى بن جعفر وأعطه ثلاثين ألف درهم وقل له : إن أحببت المقام قبلنا ، فلك عندي ما تحب ، وإن أحببت المضي إلى المدينة فالإذن في ذلك إليك.
(٨) في الأصل : (علي رضي الله عنه يقول :).
(٩) محمد : ٢٢.