اعتدال مزاجه لم يؤخذ (١) فيه من الصدأ والصهوكة (٢) ما يوجد في هذه (٣) الجواهر الأخر ، إذ كان كل منها يكسب الأطعمة والأشربة المحمولة (٤) فيه صدأ ، ويوجد سليما من هذا العارض ، ولذلك اختار الملوك والعظماء الأكل والشرب فيه ، ووعد الله تعالى عباده في دار الثواب فقال : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) (٥) ، كما قال في باب الحلية والزينة (٦) : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) (٧) ، وذلك لما كانت العادة جرت به من متنعمي (٨) الملوك في هذه الدنيا بأن يجعلوا حليهم (٩) في الأعضاء الشريفة من الذهب ، فكذلك كان من شأنهم إذا بالغوا في إكرام من يقفون (١٠) منه على جميل في الحروب والدفاع عن حوزة (١١) الملك أن يسوروه بأسورة من الذهب.
ولجلالة أقدارها عندهم (١٢) ما حكى الله تعالى في قصة موسى عليهالسلام عن فرعون أنه قال : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ) (١٣). من أحسن ما وصف به الذهب قول قدامة (١٤) حكيم المشرق :
__________________
(١) في الأصل : (أحل ... لم يوخد).
(٢) السهوكة : صدأ الحديد.
(٣) في الأصل : (هذا).
(٤) في الأصل : (تكسب ... المخمولة).
(٥) الزخرف : ٧١ في الأصل : (واكواهب).
(٦) في الأصل : (الحلية قال زينة).
(٧) فاطر : ٣٣.
(٨) في الأصل : (متعمي).
(٩) في الأصل : (حيلهم).
(١٠) في الأصل : (يقضون).
(١١) جوزه أن يسوره).
(١٢) في الأصل : (لحلاله .. عنهم).
(١٣) الزخرف : ٥٣.
(١٤) هو جد قدامة بن جعفر صاحب نقد الشعر ونقد النثر ، وقد نبه على ذلك محقق كتاب الحيوان وإن لم يجد ما يتحقق به. وقد ورد ذكره في مجموعة رسائل الجاحظ ، ووصفه بحكيم المشرق. وكان صاحب كيمياء. راجع هامش الحيوان ٥ / ٩٥ ، مقدمة الخراج وصناعة الكتابة ، مقدمة نقد النثر ص ٣٣.