فصل
في المجاز
قال الجاحظ (١) :
للعرب إقدام على الكلام ، ثقة (٢) بفهم أصحابهم عنهم ، وكما جوّزوا قولهم : أكله الأسود ، وإنما يذهبون إلى الإفناء (٣) ، كما قال الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٤). ولعلهم شربوا بتلك الأموال الأنبذة ، ولبسوا الحلل وركبوا المهاليج ، ولم ينفقوا منها درهما واحدا في سبيل المآكل ، وجوّزوا (٥) : أكلته النار ، وإنما أبطلت (٦) عينه ، جوزوا أيضا أن يقولوا ذقت لما ليس يطعم ، [وهو قوله تعالى : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)] (٧). وقال تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٨) ، وقال تعالى : (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ)] (٩). ثم قالوا : أطعمت لغير الطعام ، كما قال العرجي (١٠) :
__________________
(١) الحيوان : ٥ / ٣٢.
(٢) في الأصل : (بفقه) والتصويب من الحيوان.
(٣) في الأصل : (الافتا).
(٤) النساء : ١٠.
(٥) في الحيوان : (لقولهم أكل وإنما عضّ ، وأكل وإنما أفنى ، وأكل وإنما أحاله ..).
(٦) في الأصل : (انطلقت) مصحفة.
(٧) الدخان : ٤٩ وفي الأصل : (العزيز الحكيم).
(٨) النحل : ١١٢.
(٩) التغابن : ٥ وسقطت الكلمة الأولى من الآية ، وما بين المعكوفين لم يرد في الحيوان.
(١٠) في الأصل : (الأعرج) تحريف ، والعرجي عبد الله بن عمر من أحفاد عثمان بن عفان الخليفة الراشد الأموي القرشي ، مذهبه في الشعر مذهب عمر بن أبي ربيعة.