فصل
في ذكر الشعراء
فما ظنك بقوم الاقتصاد محمود إلّا منهم ، والكذب مذموم إلّا فيهم
إذا ذموا ثلبوا ، وإذا قدحوا سلبوا ، وإذا رضوا رفعوا الوضيع ، وإذا غضبوا وضعوا الرفيع ، وإذا أقرّوا على
أنفسهم بالكبائر لم يلزمهم الحدّ ، ولم تمتد إليهم يد ، وغنيّهم لا يصادر ، وفقيرهم وشيخهم لا يوقر ، وحقيرهم لا يستصغر ، وسهامهم تنفذ في الأعراض ، وشهادتهم مقبولة وإن لم ينطق بها سجل ، ولم يشهد عليها عدل ، وسرقتهم معهودة وإن جاوزت ربع دينار وبلغت ألف قنطار ، إن باعوا المغشوش لم يردّ عليهم وإن صادروا الصديق لم يستوحش منهم. بل ما ظنك بقوم هم
صيارفة أخلاق الرجال وسماسرة النقص والكمال ، بل ما ظنك بقوم اسمهم ناطق بالفضل
، واسم صناعتهم مشتق من العقل ، بل ما ظنك بقوم هم أمراء الكلام ، يقصّرون
طويله ، ويخففون ثقيله ويقصرون ممدوده ، ولم لا أقول ما ظنك بقوم : (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ فِي كُلِّ
وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) .
__________________