فصل
في ذكر الشعر
قال أبو زيد البلخي :
إن قول الشعر وروايته ، ومعرفة غريبه (١) من أجلّ علوم الأدباء وأشرفها منزلة ، وأرفعها درجة ، وذلك لفضل منظوم الكلام على منثوره ، ولارتباط بعض أجزاء المنظوم ببعض حتى يصير مقيدا (٢) لكل ما يضمنه من المعاني ، ثم له ما تجده في (٣) القلوب والأسماع. فكان المعنيّون (٤) بأحكام اللغة من العرب (٥) يتنافسون في حفظه وروايته ، ويباهي بعضهم بعضا بالحظ (٦) الذي يتوفر له من ذلك حتى خرج الأمر في الشغف والكلف به من الاقتصاد إلى الإفراط ، وتهافت شعراء القبائل في هجاء بعضهم (٧) بعضا ، وأوفوا (٨) في أشعارهم إلى هتك الأستار ، وقذف المحصنات ، وثلب الأعراض ، وقول الزور والبهتان ، فخرج بذلك عن القسم المحمود من أنواع المنطق إلى القسم المذموم منه ، ووصف الله عزّ ذكره منشأهم (٩) ومتبعهم من ذواتهم بالصفة الخاصة بهم فقال : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا
__________________
(١) في الأصل : (عربيه).
(٢) في الأصل : (مفيدا).
(٣) في الأصل : (أجده من).
(٤) في الأصل : (المغيبون) مصحفة.
(٥) في الأصل : (العزب) مصحفة.
(٦) في الأصل : (ويناهي .. بالخط).
(٧) في الأصل : (جهاه بعصهم).
(٨) في الأصل : (وأوجزوا) والصواب ما أثبتناه. ومعنى أوفى : أشرف.
(٩) في الأصل : (منشية).