أحسن إلى الأكرة ، فإنهم الفعلة الذين (١) يعملون ، والفلاحون الذين يزرعون ، قد جعل (٢) الله أيديهم لنا طعاما ، وألسنتهم سلاما ، فظلمهم حرام (٣). (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٤).
وكتب جعفر بن قاسم الكرخي ـ وهو على بعض الدواوين ـ إلى الوزير عبيد الله ابن محمد ، وقد شم رائحة الصرف ، ووقف منه على سوء رأي ، رقعة يستعطفه ، ويسأله (٥) أن يقرّه على عمله فوقع :
لست أتهمك ـ أعزّك الله ـ بفتور همة ، ولا تقصير سعي ، ولكني أحسبك ممن يتحكم عليه بالشفاعات ، ويحب اكتساب المحامد (٦). وهي والله محبوبة من جهاتها. فأما إذا كانت في غير أحيانها فهي عين المراصد ، وفي أثنائها وإعجازها مخاطرة (٧) بالنفس. وقد نهى الله عزّ اسمه عنها حيث قال : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ [إِلَى] التَّهْلُكَةِ) (٨).
ولما اضطرب العسكر على المقتدر (٩) وأرادوه على خلع نفسه ، كتبوا إليه رقعة في ذلك ، فوقع فيها :
أنا مستسلم لأمر الله غير مسلّم حقا ، خصّني به الله رفعة ، فافعل (١٠) ما فعله عثمان بن عفان (رضي الله عنه) ، ولست انتصر إلّا بالله لما أؤمله من الفوز في دار الآخرة : و (إِنَ
__________________
(١) في الأصل : (اللذين).
(٢) في الأصل : (قد جعله).
(٣) في الأصل : (فظلمهم حراما).
(٤) القصص : ٦٠ ، وفي الأصل : (أفلا تذكرون) وهو وهم من الناسخ.
(٥) في الأصل : (يستعطفه ويسئله).
(٦) في الأصل : (بفتورينه ، عليه الشفاعات .. والمحامد).
(٧) في الأصل : (عديلا أمر أصد أوفى أثائها .. مخاطره).
(٨) البقرة : ١٩٥ ، والأصل : (بأيديكم التهلكة).
(٩) هو جعفر بن أحمد بن طلحة خليفة عباسي ، ولد ببغداد وبويع له بعد أخيه المكتفي ، ثم خلع وأعيد ، فطالت أيامه وكثرت الفتن ثم قتل سنة ٣٢٠ ه. راجع الكامل ٨ / ٣ ولم يرد توقيعه ضمن (أدب التوقيعات في الشرق) ص ١١٤ ، ولم تذكر المؤلفة له غير توقيع واحد.
(١٠) في الأصل : (غير مسلمنا خضي .. رقعة فاعفل).