وقال الإسكافي :
أما بعد ، إن الله الحكيم فيما قدر ، العليم بما دبر ، خلق الخلق أطوارا (١) ، وحتّم (٢) لهم آجالا وأعمارا ، فحصر أمدهم بالانقضاء ، وقصر عددهم على الانتهاء ، مانّا (٣) بالقدرة في إخراجهم من العدم إلى الوجود ، بصيرا بالحكمة في تصييرهم إلى الفناء دون الخلود ، دالا على أن (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤) ، وأن كل خلق لما حوله (٥) تارك ، سيان في ذلك ملك ونبي ، وسيّان فيه عنده (٦) ضعيف وقوي ، لا القوي يعز علما (٧) (١ أ) ، ولا الضعيف يعجز هرما (٨) ، بل كل ميت فموروث ومنشأ فمبعوث إلى أن يرث الله الأرض ، ويلي في عباده العرض ، فيلاقون فيه يومهم (٩) الذي يوعدون ، وتجزى (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (١٠) تبارك الله من مليك قادر ، وسبحانه من عزيز قاهر.
وقال أبو إسحاق الصابي (١١) :
أما بعد ، فإن الله جعل لكل أجل كتابا ، ولكل مدة انقضاء ، ومن كل هالك خلفا ، وعن كل فائت عوضا ، وسوّى بين البرية في ورود حوض المنية (١٢) ، وحملهم فيها على عدل الحكومة والقضية (١٣) فقال وقوله الحق : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ
__________________
(١) إشارة إلى قوله تعالى : (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) نوح : ١٤.
(٢) في الأصل : (حنتم).
(٣) في الأصل : (مليا).
(٤) في الأصل : (لهالك) والآية من سورة القصص : ٨٨.
(٥) في الأصل : (خوله).
(٦) في الأصل : (وبنى وميلان .. عند).
(٧) في الأصل : عليا والسجعة رجحت (علما).
(٨) في الأصل : (تعر .. بعجزهن ما).
(٩) في الأصل : (يومنهم).
(١٠) الجاثية : ٢٢.
(١١) الرسالة في الكتاب المختار من رسائل الصابي ١ / ١٥٦ ، ١٥٧.
(١٢) في الأصل : (باطنية).
(١٣) في المختار : (القصية).