الثانية : لقد وقفت على أنّ القوم قاموا بالجدال والعناد ، فقالوا : ما أنتم إلّابشر مثلنا ، والجملة تحتمل وجهين :
الوجه الأوّل : أنتم أيّها الرسل بشر ، والبشر لا يكون رسولاً من الله ، وعلى هذا فالمانع من قبول رسالاتهم كون أصحابها بشراً.
الوجه الثاني : انّ المانع من قبول دعوة الرسالة هي عدم توفر أي مزية في الرسل ترجحهم ، ويشعر بذلك قوله : «مثلنا» وإلّافلو كان الرسل مزودين بشيء آخر ربما لم يصح لهم جعل المماثلة عذراً للربّ.
الثالثة : انّ القصة تنم عن أنّ منطق القوة كان منطق أهل اللجاج ، فالقوم لما عجزوا عن رد برهانهم التجأوا إلى منطق القوة ، بقتل دعاة الحق وصلحائه ، وقالوا : (لئن لم تنتهوا لنرجمنَّكم)
الرابعة : انّ التطير كان سلاح أهل العناد والمكابرة ، ولم يزل هذا السلاح بيد العتاة الجاحدين للحق ، فيتطيرون بالعابد ، وغير ذلك.
الخامسة : يظهر من صدر الآيات انّ الرسل بعثوا إلى القرية ، وقد تطلق غالباً على المجتمعات الكبيرة والصغيرة ، ولكن قوله : (وجاء من أقصى المدينة رجل) يعرب انّها كانت مدينة ومجتمعاً كبيراً لا صغيراً.
السادسة : انّه سبحانه يصف الرجل الرابع الذي قام بدعم موقف الرسل بأنّه كان من أقصى المدينة ، وما هذا إلّالأجل الإشارة إلى عدم الصلة والتواطئ بينه وبين الرسل ، ولذلك قدّم لفظ أقصى المدينة على الفاعل ، أعني : «رجل» ، وقال : (وجاء من أقصى المدينة)
السابعة : انّ قوله : (ومالي لا أعبد الذي فطرني) دليل على أنّ العبادة هي