النسفي : (أي : بعضا على بعض ، نبههم أولا ـ أي : في قوله (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) ـ على النظر في أنفسهم لأنها أقرب ، ثم على النظر في العالم وما سوى فيه من العجائب الدالة على الصانع) (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَ) أي : في السموات (نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) أي : مصباحا منيرا ، وهذا يفيد أن الشمس والقمر تحيط بهما السموات السبع كلها لأنه إذا لم تكن الشمس والقمر في وسط الفضاء الموجود في باطن السماء الدنيا لا يكون الشمس والقمر في السموات كلها ، ولنا عودة على هذا الموضوع في الفوائد (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) أي : والله أنشأكم من الأرض فأنبتكم نباتا (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) أي : إذا متم (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) أي : يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) أي : مبسوطة ممهدة صالحة لسكنى الإنسان (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً) أي : طرقا (فِجاجاً) أي : واسعة أو مختلفة ، قال النسفي : أي : لتتقلبوا عليها كما يتقلب الرجل على بساطه ، وقال ابن كثير : أي : خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها ، وبهذا أتم نوح عليهالسلام عملية لفت النظر إلى عظمة الله عزوجل.
كلمة في السياق :
عرض نوح عليهالسلام في المجموعة الأولى عمله وإنذاره بشكل إجمالي ، ثم فصل في الجزأين الأولين من المجموعة الثانية ما قاله لقومه تفصيلا ، وذلك يعود إلى نقطتين اثنتين : الاستغفار ، وتعظيم الله عزوجل ، والملاحظ أن المعاني التي ذكرها نوح عليهالسلام هي المعاني نفسها التي عرفنا الله عزوجل بها على ذاته في أوائل سورة البقرة ، فدعوى الرسل واحدة ، وبعد أن ذكر نوح عليهالسلام لله جل جلاله ما فعله إجمالا وتفصيلا يأتي الجزء الثالث من المجموعة الثانية وفيه تفصيل لموقف قومه منه.
تفسير الجزء الثالث من المجموعة الثانية :
(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) فيما أمرتهم به من العبادة والتقوى والطاعة ، ومن الاستغفار والتعظيم (وَاتَّبَعُوا) أي : السفلة والأتباع والفقراء (مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ) أي : الرؤساء وأصحاب الأموال والأولاد (إِلَّا خَساراً) أي : في الآخرة. قال ابن كثير : (يقول تعالى مخبرا عن نوح عليهالسلام أنه أنهى إليه ـ وهو العليم الذي لا يعزب عنه شىء ـ أنه مع البيان المتقدم ذكره ، والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه ، واتبعوا أبناء الدنيا