قال تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) قال النسفي : أي : فلا تغلبه على ماله وحقه لضعفه ، وقال ابن كثير : أي : كما كنت يتيما فآواك الله فلا تقهر اليتيم ، أي : لا تذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه ، وتلطف به ، وقال قتادة : كن لليتيم كالأب الرحيم. (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) قال النسفي : أي : فلا تزجره ، فابذل قليلا أو رد جميلا ، وعن السدي : المراد طالب العلم إذا جاءك فلا تنهره). أقول : عدم نهر السائل عن العلم يدخل في الآية وليس وحده مرادا بها. قال ابن كثير : (أي : وكما كنت ضالا فهداك الله فلا تنهر السائل في العلم المسترشد). أقول : ويحتمل أن يكون المعنى كما كنت فقيرا فأغنيناك فلا تنهر الفقير إذا جاءك سائلا ، وقال ابن إسحاق في الآية : فلا تكن جبارا ولا متكبرا ، ولا فحاشا ولا فظا على الضعفاء من عباد الله ، وقال قتادة : يعني : رد المسكين برحمة ولين. أقول : لو قال قتادة بدل (رد) خاطب لكان ذلك أجود (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) قال النسفي : أي : حدث بالنبوة التي آتاك الله ، وهي أجل النعم ، والصحيح أنها تعم جميع نعم الله عليه ، ويدخل تحته تعليم القرآن والشرائع. وقال ابن كثير : أي : وكما كنت عائلا فقيرا فأغناك الله فحدث بنعمة الله عليك. أقول : الأمر بالتحديث بنعم الله عزوجل أعم من أن يكون المراد به نعمة دنيوية أو دينية. إن الحديث عن النعم كلها ظاهرة وباطنة أدب النبوة ، وأدب المسلم ، كما سنرى في الفوائد ، وبهذا انتهت السورة.
كلمة في السياق :
١ ـ إن السورة تذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم باليتم والفقر والغفلة ، وتأمره بناء على ذلك الأوامر المذكورة ، وهي بذلك تذكر المسلم من طرف خفي بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يتيما فارحموا اليتامى ، وأكرموهم ، وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان فقيرا ، فارحموا الفقراء وأكرموهم ، وتواصوا في شأنهم خيرا ، وأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان غافلا قبل النبوة فاعطفوا على الغافلين وعلموهم ، وصلة ذلك بالمعاني التي وردت في السور السابقة لا تخفي.
٢ ـ إن الأمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر لأمته ما لم ينص على خصوصيته صلىاللهعليهوسلم بهذا الأمر ، ومن ثم فهذه الأوامر ينبغي أن تأخذ مداها في التطبيق.
٣ ـ رأينا من السورة أن النعمة تقتضي شكرا ، فهذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمن الله عليه