لا نريد منكم المكافأة لخوف عقاب الله على طلب المكافأة بالصدقة ، أو إنا نخاف من ربنا فنتصدق لوجهه حتى نأمن من ذلك الخوف (أي : في ذلك اليوم) قال تعالى مبشرا لهم أنه سيعطيهم ما أملوه : (فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) أي : صانهم من شدائده (وَلَقَّاهُمْ) أي : أعطاهم بدل عبوس الكفار في ذلك اليوم (نَضْرَةً) أي : حسنا في الوجوه (وَسُرُوراً) أي : فرحا في القلوب ، (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا) أي : بسبب صبرهم (جَنَّةً) أي : بستانا فيه مأكل هنىء (وَحَرِيراً) أي : ملبسا بهيا ، قال ابن كثير في الآية : أي : منزلا رحبا وعيشا رغدا ولباسا حسنا ، أقول : دلت الآية على أنه بتحققهم بمقام الصبر نالوا ما نالوا بصبرهم على الطاعات ، وصبرهم عن المعاصي ، وصبرهم على مكارم الأخلاق ، وصبرهم على الابتلاءات (مُتَّكِئِينَ فِيها) أي : في الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهي متكآتهم على الأسرة (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) الزمهرير : البرد الشديد ، وقيل : القمر ، وعلى القول الأخير يكون معنى الآية : إن الجنة مضيئة لا يحتاج فيها إلى شمس ولا قمر ، وعلى القول الأول يكون معنى الآية كما قال ابن كثير : أي : ليس عندهم حر مزعج ، ولا برد مؤلم ، بل هي مزاج واحد ، دائم سرمدي لا يبغون عنها حولا ، وقال النسفي في الآية : لأنه لا شمس فيها ولا زمهرير فظلها دائم ، وهواؤها معتدل لا حر شمس يحمي ، ولا شدة برد تؤذي (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) أي : قريبة منهم ظلال أشجارها (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) قال النسفي : سخرت للقائم والقاعد ، والمتكىء ، وقال ابن كثير : (أي : متى تعاطاه دنا القطف إليه وتدلى من أعلى غصنه كأنه سامع طائع ... قال مجاهد : إن قام ارتفعت معه بقدر ، وإن قعد تذللت له حتى ينالها ، وإن اضطجع تذللت له حتى ينالها ... وقال قتادة : لا يرد أيديهم عنها شوك ولا بعد) (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) أي : من فضة ، والكوب هو الكوز الذي لا عروة لها ولا خرطوم ، قال ابن كثير : أي : يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام ، وهي من فضة ، وأكواب الشراب ، وهي من فضة (كانَتْ) أي : هذه الأكواب (قَوارِيرَا) قال ابن كثير : قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد : بياض الفضة في صفاء الزجاج ، والقوارير لا تكون إلا من زجاح ، فهذه الأكواب هي من فضة ، وهي مع هذا شفافة بدا ما في باطنها من ظاهرها ، وهذا مما لا نظير له في الدنيا ، ثم فسر الله عزوجل هذه القوارير بقوله : (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) أي : جعلها السقاة على قدر ري شاربها ، فهي