والمعروف والبر والصلة بخلا وشحا وهلعا ...) وقال النسفي في الآية : (أي فهو يعلم أن ما ضمنه من عذاب الله حق) أقول : إن الآية تفيد في سياقها أن هذا الإنسان المعرض عن الإيمان المانع للعطاء لا يجوز له ذلك ، فهو لم يطلع على الغيب ، ولم ير هذا الغيب حتى يبني موقفه على ضوء ذلك ، فإذا بنى موقفه على مجرد الجهل في شأن الغيب ، فذلك دليل انطماس بصيرته ، خاصة وأن الذي يدعوه إلى الإيمان والإنفاق هو عالم الغيب.
كلمة في السياق :
من خلال المناقشة في شأن الإنفاق وارتباطه بالإعراض عن هداية الله نرى صلة المجموعة بمحور السورة (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) فالمؤمن بالغيب استجاب فصلى وأنفق واهتدى بكتاب الله ، وهذا أعرض فبخل.
ثم قال تعالى : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى) أي : أم لم يخبر بما في توراة موسى (وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) أي : بلغ جميع ما أمر بتبليغه ، وعمل به ، فقام بجميع الأوامر ، وترك جميع النواهي ، وبلغ الرسالة على التمام والكمال ، فاستحق بهذا أن يكون للناس إماما يقتدى به في جميع أقواله وأحواله وأفعاله ، قال ابن كثير : ثم شرع تعالى يبين ما كان ـ أو جاء ـ في صحف إبراهيم وموسى فقال : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) أي : إنه لا تحمل نفس آثمة أثم نفس أخرى. قال ابن كثير : أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شىء من الذنوب ، فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد (وَأَنْ) أي : وأنه (لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) قال النسفي : (أي إلا سعيه ، وهذه أيضا مما في صحف إبراهيم وموسى) وقال ابن كثير : (أي كما لا يحمل عليه وزر غيره كذلك لا يحصل له من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه) ولنا عودة إلى هذا الموضوع في الفوائد (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى) أي : يوم القيامة (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) أي : الأوفر (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) قال ابن كثير : أي المعاد يوم القيامة. قال النسفي : هذا كله في الصحف الأولى (وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) قال ابن كثير : أي خلق في عباده الضحك والبكاء ، وسببيهما ، وهما مختلفان (وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) أي : الذي يميت ويحيي (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ