بحجة واضحة تصدق استماع مستمعهم ، فإذا لم يكن ذلك موجودا فما عليهم إلا أن يتبعوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهذا القرآن ، قال ابن كثير في الآية : (أي فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال ، وليس لهم سبيل إلى ذلك ، فليسوا على شىء ولا لهم دليل) ، ثم قال منكرا عليهم فيما نسبوه إليه من البنات ، وجعلهم الملائكة إناثا ، واختيارهم لأنفسهم الذكور على الإناث ... (أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) قال النسفي : سفه أحلامهم حيث اختاروا لله ما يكرهون ، وهم حكماء عند أنفسهم. أقول : في ذكر هذا المعنى هنا تدليل على فساد اتجاهاتهم المنكرة ، التي لا أصول لها من عقل أو نقل ، وفي ذلك ردع لهم لينزجروا عما هم فيه ، ويقبلوا على ما دعاهم إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم من تقوى وعبادة ، ثم قال تعالى : (أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) على التبليغ والإنذار (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) فزهدهم ذلك في اتباعك ، وإذ كنت لا تسألهم أجرا على الهداية ، فأي حجة لهم في انصرافهم؟ قال النسفي : (المغرم : أن يلتزم الإنسان ما ليس عليه) ، والمثقل : هو من يحمل ما يشق عليه (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) قال النسفي : أي اللوح المحفوظ. (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) قال النسفي : (أي ما فيه حتى يقولوا لا نبعث ، وإن بعثنا لم نعذب) أي وبالتالي فهم لا يعملون للآخرة (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) قال ابن كثير : يقول تعالى : أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وفي الدين غرور الناس ، وكيد الرسول وأصحابه ، فكيدهم إنما يرجع وباله على أنفسهم (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أي : هم الذين يعود عليهم وبال كيدهم ، ويحيق بهم مكرهم ... أو هم المغلوبون في الكيد ، أي إذا كان مجرد الكيد هو السبب في مواقفهم فحتى هذا سيعود وباله عليهم ، فما فائدة سيرهم في طريقهم وتنكبهم عن طريق التقوى؟ (أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) قال النسفي : (أي يمنعهم من عذاب الله) قال ابن كثير : وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله. (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) قال ابن كثير : (نزه الله عزوجل نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون ويشركون) ثم قال تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً) أي : قطعة (مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) عليهم يعذبون به (يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) أي : ركم بعضه على بعض ، فهو متراكم قال النسفي : يريد أنهم لشدة طغيانهم وعنادهم لو أسقطناه عليهم لقالوا هذا سحاب مركوم يمطرنا ، ولم يصدقوا أنه كسف ساقط للعذاب ، قال ابن كثير : (وهذا كقوله تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا