أقول : وفي ختم الآيتين السابقتين بقوله تعالى : (بَلْ لا يُوقِنُونَ) التي تشير من خلال اتجاهنا في هذا التفسير إلى قوله تعالى في محور السورة (وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) نفهم أن الموضوع مرتبط بقضية اليوم الآخر ، فإن عدم يقينهم باليوم الآخر أو صلهم إلى مواقف تجعلهم يقولون إنهم خلقوا من غير شىء ، أو هم الخالقون لأنفسهم ، أو الخالقون للسموات والأرض ، ومن ثم يتكبرون عن العبادة والتقوى ، وطاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويتعاملون ويتكلمون كأنهم أرباب ، وهذا الذي نراه في عصرنا على أشده ، إذ نرى الإنسان الكافر يعتبر نفسه غير مكلف ، وغير مسؤول أمام الله ، ويتعامل ويتكلم كأنه رب ، وفي قوله تعالى : (بَلْ لا يُوقِنُونَ) إشارة إلى أن هؤلاء عندهم ريب ، وهذا يحول بينهم وبين التقوى ، إذ شرط التقوى عدم الريب في أمور بعينها ، كما ورد في المحور : (الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ* أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ولنعد إلى السياق :
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ) قال النسفي : (أي) من النبوة والرزق وغيرهما ؛ فيخصوا من شاؤوا بما شاؤوا. وقال ابن كثير : أي أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن. (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) قال النسفي : (أي) الأرباب الغالبون حتى يدبروا أمر الربوبية ، ويبنوا الأمور على مشيئتهم ، وقال ابن كثير : (أي المحاسبون للخلائق ، ليس الأمر كذلك ؛ بل الله عزوجل هو المالك المتصرف الفعال لما يريد).
أقول : وعلى هذا فالآية فيها إنكار على اعتراضهم على الله ، واستغنائهم عنه وادعائهم العملي أو النظري أنهم أرباب ـ وهو محور الفلسفة الوجودية في عصرنا ـ وإذا كان الأمر في كل ما مر ليس كما قالوا ، وإذ كانوا هم أنفسهم لا يجرؤون أن يدعوا ذلك دعوى نظرية كلامية ، فلم يبق لانصرافهم عن التقوى والعبادة مبرر ، فهل لهم مبررات أخرى؟ وإذا كانت فما هي؟ هذا ما ستذكره الآيات اللاحقة :
(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) منصوب يرتقون به إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) كلام الملائكة ، وما يوحى إليهم من علم الغيب ؛ فيتصرفون بناء على ذلك على خلاف أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسبب وحي آخر عن الله (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي :