كما يتكلم به الشربة من أهل الدنيا) ، وقال النسفي : (أي لا يجري بينهم ما يلغي ، يعني : لا يجري بينهم باطل ، ولا ما فيه إثم لو فعله فاعل في دار التكليف ، من الكذب والشتم ونحوهما كشاربي خمر الدنيا ، لأن عقولهم ثابتة فيتكلمون بالحكم والكلام الحسن) (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ) أي : مملوكون (لَهُمْ) أي : مخصوصون بهم (كَأَنَّهُمْ) من بياضهم وصفائهم (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) أي : محفوظ في الصدف ؛ لأنه رطب أحسن وأصفى ، أو مخزون ؛ لأنه لا يخزن إلا الثمين الغالي القيمة ، قال ابن كثير : (هذا إخبار عن خدمهم وحشمهم في الجنة ، كأنهم اللؤلؤ الرطب المكنون في حسنهم وبهائهم ونظافتهم ، وحسن ملابسهم) (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) أي : يسأل بعضهم بعضا عن أحواله وأعماله ، وما استحق به نيل ما عند الله ، قال ابن كثير : (أي أقبلوا يتحادثون ويتساءلون عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا ، وهذا كما يتحادث أهل الشراب على شرابهم إذا أخذ فيهم الشراب بما كان من أمرهم) (قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) أي : إنا كنا في الدنيا في أهلنا أرقاء القلوب من خشية الله ، أو خائفين من نزع الإيمان ، وفوت الأمان ، أو من رد الحسنات والأخذ بالسيئات ، قال ابن كثير : (أي كنا في الدار الدنيا ونحن بين أهلينا خائفين من ربنا ، مشفقين من عذابه وعقابه) (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا) بالمغفرة والرحمة (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) السموم في الأصل : هي الريح الحارة التي تدخل المسام ، فسميت بها نار جهنم لأنها بهذه الصفة (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) أي : من قبل لقاء الله تعالى والمصير إليه ، يعنون في الدنيا (نَدْعُوهُ) قال النسفي : (أي نعبده ولا نعبد غيره) ، وقال ابن كثير : (أي نتضرع إليه فاستجاب لنا وأعطانا سؤلنا) (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ) أي : المحسن (الرَّحِيمُ) أي : العظيم الرحمة الذي إذا عبد أثاب ، وإذا سئل أجاب. وبهذا انتهت المجموعة الثانية.
كلمة في السياق :
١ ـ في المجموعة الأولى عرض الله عزوجل علينا حال الكافرين في الدنيا : التكذيب ، والخوض ، واللعب ، وفي المجموعة الثانية عرض الله عزوجل علينا حال المتقين في الدنيا : الإشفاق من عذاب الله ، والعبادة لله ، والدعاء له ، وفي المجموعة الأولى عرض الله ما أعده للكافرين من عذاب ، وفي المجموعة الثانية عرض الله عزوجل ما أعده لأهل التقوى من ثواب وجزاء.