وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))
التفسير :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ) أي : أنصار دينه (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) أي : من معيني في الدعوة إلى الله ، أو من جندي متجها إلى نصرة الله. قال النسفي : (أي : كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم : من أنصاري إلى الله) وقال ابن كثير : (يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين أن يكونوا أنصار الله في جميع أحوالهم بأقوالهم وأفعالهم وأنفسهم وأموالهم ، وأن يستجيبوا لله ولرسوله كما استجاب الحواريون لعيسى حين قال : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)) قال النسفي : ومعنى من أنصاري إلى الله أي : من الأنصار الذين يختصون بي ، ويكونون معي في نصرة الله (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) قال ابن كثير : أي : نحن أنصارك على ما أرسلت به ، ومؤازروك على ذلك. قال النسفي : والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا وحواري الرجل صفيه وخالصته (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بعيسى عليهالسلام (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) به ، قال ابن كثير : (أي : لما بلغ عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام رسالة ربه إلى قومه ووازره من وازره من الحواريين اهتدت طائفة من بني إسرائيل بما جاءهم به ، وضلت طائفة فخرجت عما جاءهم به ، وجحدوا نبوته ورموه وأمه بالعظائم ...) (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ) قال النسفي : ففوينا مؤمنيهم على كفارهم. أقول : يحتمل أن يكون التأييد بالخوارق ، فمن المعروف أن الحواريين قد أمدوا بالكرامات وخوارق العادات ولم يدخلوا قتالا. وذهب ابن جرير إلى رأي آخر ذكره ابن كثير ولم يذكر غيره وهو : أن التأييد للذين آمنوا من أصحاب عيسى كان ببعثة محمد صلىاللهعليهوسلم وسننقل كلامه بالفوائد ، وعلى هذا يكون بين النصرة وبين التبشير بإعلاء الإيمان مئات السنين ، وإني أستبعد هذا الرأي ؛ فالتأييد للحواريين كان بعد رفع عيسى عليهالسلام ، وذلك كما قلنا بأنواع الكرامات الكثيرة ، فأصبحوا ظاهرين على غيرهم من بني إسرائيل في أنهم على الحق ، واستجاب لهم خلق كثير في كل مكان ، وههنا ظهرت ظاهرة بولس الانحرافية ، وبدأ الصراع بين الأطراف من جديد ، واستقر الأمر داخل الكنائس لصالح اتجاه بولس بدعم الدولة الرومانية بعد مئات السنين ، ثم